فلم يعرفني أحد منكم متعاطياً شيئاً من نحوه، ولا قدرت عليه، ولا كنت متواصفاً بعلم وبيان فتتهموني باختراعه.
(أَفَلا تَعْقِلُونَ) فتعلموا أنه ليس إلا من الله، لا من مثلي، وهذا جواب عما دسوه تحت قولهم: (ائت بقرآن غير هذا)؛ من إضافة الافتراء إليه.
[(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) ١٧]
(مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) يحتمل أن يريد افتراء المشركين على الله في قولهم: إنه ذو شريك وذو ولد، وأن يكون تفاديا مما أضافوه إليه من الافتراء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (دسوه)، الجوهري: "ودسست الشيء في التراب: أخفيته، والدسيس: إخفاء المكر". والذي دسوه فيه: ما ذكره في الجواب: "كان غرضهم في هذا القول الكيد والمكر، وفيه أنه من عندك وأنت قادر على مثله، وأنه إن وُجد منه تبديل، فإما أن يهلكه الله، أو يسخروا منه، ويجعلوه حجة عليه وتصحيحاً لافترائه".
قوله: (تفادياً)، الأساس: "ومن المجاز: تفادي منه: تحاماه، قال:
تفادي الأسود الغلب منه تفادياً"
يعني: إذا عُلق قوله: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى) بقوله: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا)، أي: أشركوا، كان المراد افتراء المشركين في قولهم: إنه ذو شريك وولد، ويكون قوله: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ) [يونس: ١٤]، وقوله: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا) [يونس: ١٥] إلى هاهنا، إعلاماً بأن المشركين الذين بعث إليهم


الصفحة التالية
Icon