والتسيير في البحر إنما هو بالكون في الفلك؟ قلت: لم يجعل الكون في الفلك غاية للتسيير في البحر، ولكن مضمون الجملة الشرطية الواقعة بعد "حتى" بما في حيزها، كأنه قيل: يسيركم حتى إذا وقعت هذه الحادثة، وكان كيت وكيت من مجيء الريح العاصف، وتراكم الأمواج، والظنّ للهلاك والدعاء بالإنجاء.
فإن قلت: ما جواب (إذا)؟ قلت: (جاءتها). فإن قلت: فـ (دعوا)؟ قلت: بدل من "ظنوا"، لأنّ دعاءهم من لوازم ظنهم الهلاك فهو ملتبس به. فإن قلت: ما فائدة صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة؟ قلت: المبالغة، كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها، ويستدعى منهم الإنكار والتقبيح. فإن قلت: ما وجه قراءة أمّ الدرداء: "في الفلكي"، بزيادة ياء النسب؟ قلت: قيل: هما زائدتان، كما في الخارجي والأحمري، ويجوز أن يراد به اللجّ والماء الغمر الذي لا تجرى الفلك إلا فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الانتصاف: "مثله في الاعتبار قوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا) [النساء: ٦]، واستدل أبو حنيفة رضي الله عنه بأن الصغير يُبتلى قبل البلوغ، فجعل البلوغ غاية وقوع الابتلاء، فيلزم وقوع الابتلاء قبله".
الإنصاف: "المجعول غاية هو جملة ما في حيز (حَتَّى)؛ من البلوغ المقرون بإيناس الرشد، وهذا المجموع يلزم وقوعه بعد الابتلاء، فلا يلزم أن يقع كل واحد بعد الابتلاء، وهذه الآية موضحة لذلك".
وقلت: بين الآيتين بون بعيد؛ لما ذكرنا من أخذ الزبدة والخلاصة من الغاية والمُغيا.
قوله: (فإن قلت: فـ (دَعَوُا)؟ ): أي: إذا كان الجواب (إذَا) قوله: (جاءَتْهَا)، فما موقع قوله: (دَعَوَا اللَّهَ)؟
قوله: (قيل: هما زائدتان، كما في الخارجي): قال ابن جني: "العرب قد زادت في الإضافة


الصفحة التالية
Icon