فإن قلت: فما معنى قوله: (بِغَيْرِ الْحَقِّ)، والبغي لا يكون بحق؟ قلت: بلى، وهو استيلاء المسلمين على أرض الكفرة، وهدم دورهم، وإحراق زروعهم، وقطع أشجارهم، كما فعل رسول الله ﷺ ببني قريظة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرفاء: الالتحام والاتفاق"، ذكره الجوهري؛ الرفاء في المهموز، والمُرافاة في الناقص، وإنما بالغ المصنف في تفسير (يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ)؛ بقوله: "ويعيثون"، فإنه الغلو في الفساد، وبقوله: "مترافين"؛ لتعدية (يَبْغُونَ) بـ (فِي)، وهو يتعدى بـ"على" للمبالغة، على نحو قوله:
يجر في عراقيبها نصلي
قال الجوهري: "بغى الرجل على الرجل: استطال".
قوله: (بلى): أي: بلى، يكون البغى بحق، كهدم المسلمين دور الكفرة، وإحراق زروعهم، قال صاحب "الفرائد": هذا يُشعر بأن البغي موضوع للاستيلاء، سواء كان حقاً أو باطلاً، وقيد (بِغَيْرِ الْحَقِّ) لإخراج ما هو حق، وهذا منظور فيه، لأنه قال قبل هذا: "هو من قولك: بغى الجرح: إذا ترامى إلى الفساد". وقال الزجاج: "البغي: الترامي في الفساد"، وإذا ذُكر البغي لا يخطر بالبال إلى الظلم.
وقلت: ويمكن أن يُقال: البغيُ بحسب اللغة: هو ترامي الشيء إلى الفساد، سواء كان الفساد عدلاً أو ظلماً، لأن الفساد: خروج الشيء من أن يكون منتفعاً به، فهذا قد يكون عدلاً، كهدم دور المشركين وإحراق زروعهم وقتلهم، ثم خصه العُرف بما يكون ظلما، فالقيد بالنظر إلى ما يكون بحسب اللغة.


الصفحة التالية
Icon