(وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ): لا يغشاها، (قَتَرٌ): غبرة فيها سواد، (وَلا ذِلَّةٌ): ولا أثر هوان وكسوف بال، والمعنى: لا يرهقهم ما يرهق أهل النار؛ إذكارا بما ينقذهم منه برحمته. ألا ترى إلى قوله تعالى: (تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) [عبس: ٤١]، (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) [يونس: ٢٧].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما هذا الحديث: فقد رويناه عن مسلم وأحمد بن حنبل والترمذي وابن ماجة عن صهيب، عن النبي ﷺ قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى منادٍ: إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، قالوا: ألم تبيض وجوهنا، وتنجنا من النار، وتدخلنا الجنة؟ ! قال: فكشف الحجاب، قال: فوالله ما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه"، زاد في رواية لمسلم: "ثم تلا: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) "، وفي رواية ابن ماجة: "تلا رسول الله ﷺ هذه الآية: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)، وقال: إذا دخل أهل الجنة"، الحديث.
قوله: (إذكاراً بما يُنقذهم): هو مفعول له لقول مقدر، أي: قال الله تعالى: لا يرهق وجوههم قتر؛ ليذكر أهل الجنة بما ينقذهم الله منه، وهو إرهاق وجوههم، أي: غشيانها غبرة فيها سواد، بسبب رحمته، فإنهم إذا ذكروا ذلك زاد فرحهم وتبجحهم، كما أن أهل النار إذا ذكروا ما فاتهم من النعيم المقيم ازداد غمهم وحسرتهم.
روى محيي السنة عن ابن أبي ليلى: "هذا بعد نظرهم إلى ربهم".
وقال السجاوندي: "قتر: غبار الحرمان والخيبة".
وقلت: في هذا الكلام مسحة من قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة: ٢٢ - ٢٣]، فيكون قوله: (وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ) كناية عن حصل غاية مباغيهم ونهاية سرورهم- يقال للكئيب الحزين: كأن على وجهه قتراً وذلة - لأن الجنة مع نعيمها وذاتها - عند العارف إذا لم يظفر بتلك النعمة الكبرى - مكان حزن وكآبة.


الصفحة التالية
Icon