وعن عاصم: "نبلو كلَّ نفس"، بالنون ونصب "كل"؛ أي: نختبرها باختبار ما أسلفت من العمل، فنعرف حالها بمعرفة حال عملها؛ إن كان حسناً فهي سعيدة، وإن كان سيئاً فهي شقية. والمعنى: نفعل بها فعل الخابر، كقوله تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [هود: ٧، الملك: ٢]، ويجوز أن يراد: نصيب بالبلاء -وهو العذاب- كل نفس عاصية، بسبب ما أسلفت من الشر.
وقرئ: "تتلو"، أي تتبع ما أسلفت، لأنَّ عمله هو الذي يهديه إلى طريق الجنة أو إلى طريق النار، أو تقرأ في صحيفتها ما قدّمت من خير أو شر.
(مَوْلاهُمُ الْحَقِّ): ربهم الصادق ربوبيته، لأنهم كانوا يتولون ما ليس لربوبيته حقيقة، أو الذي يتولى حسابهم وثوابهم، العدل الذي لا يظلم أحداً، وقرئ: "الحق"، بالفتح على تأكيد قوله" (رُدُّوا إِلَى اللَّهِ) [الأنعام: ٦٢]، كقولك: هذا عبد الله الحق لا الباطل، أو على المدح؛ كقولك: الحمد لله أهل الحمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وعن عاصم: "نبلو"): وهي شاذة، وإن أُسند إليه، وقرأ حمزة والكسائي: "تتلو كل نفس"، بتاءين، والباقون: بالتاء والباء بعدها.
قوله: (أي: نختبرها باختبار ما أسلفت) إلى آخره: يُعلم من تقريره: أن قوله: (مَا أَسْلَفَتْ) بدل من قوله: (كُلِّ نَفْسٍ)، لأن المراد: يبلو كل نفس عمله، فينظر: إن كان عمله خيراً فهو سعيد، وإن كان شراً فهو شقي، ونحوه قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا) [الزمر: ١٧].
قوله: ((مَوْلاهُمْ الْحَقِّ) ربهم الصادق ربوبيته): اعلم أن "المولى" لفظ مشترك في معنى السيد والمالك، وفي معنى متولي الأمور، فإن كان الأول: فالمناسب أن يفسر (الْحَقِّ) بالصادق ربوبيته، لأن الكلام تعريض بالمشركين، يدل عليه عطف قوله: (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا