ثم قال: (أفمن يهدى إلى الحق) هذه الهداية (أحق) بالإتباع، أم الذي (لا يهدى) أي: لا يهتدي بنفسه، أو لا يهدى غيره، (إلا أن) يهديه الله. وقيل: معناه أمن لا يهتدي من الأوثان إلى مكان فينتقل إليه، (إِلَّا أَنْ يُهْدى) إلا أن ينقل، أو لا يهتدي ولا يصح منه الاهتداء إلا أن ينقله الله من حاله إلى أن يجعله حيواناً مكلفاً، فيهديه.
(فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) بالباطل، حيث تزعمون أنهم أندادا لله.
[(وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) ٣٦].
(وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ) في إقرارهم بالله، (إِلَّا ظَنًّا) لأنه قول غير مستند إلى برهان عندهم، (إِنَّ الظَّنَّ) في معرفة الله (لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ) وهو العلم (شَيْئاً).
وقيل: وما يتبع أكثرهم في قولهم للأصنام: أنها آلهة، وأنها شفعاء عند الله إلا الظن، والمراد بالأكثر: الجميع، (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ) وعيد على ما يفعلون من إتباع الظن وتقليد الآباء، وقرئ: " تفعلون" بالتاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقلت: الهداية هاهنا: هي بعثة الرسل، وإنزال الكتب، ومنح العقول، وتوفيق طريق النظر والاستدلال، لا مجرد العقل؛ لأن مجرد العقل يعارضه الوهم والظن، قال القاضي: "يهدي للحق بنصب الحجج وإرسال الرسل والتوفيق للنظر والتدبر".
قوله: (أمن لا يهتدي من الأوثان إلى مكان فينتقل إليه)، الجوهري: "الهداء: مصدر قولك: هديت المرأة إلى زوجها، وقد هُديت إليه".
قوله: ((فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) بالباطل): قال الزجاج: "ما لكم": كلام تام، أي: شيء لكم في عبادة الأوثان، ثم قيل لهم: (كَيْفَ تَحْكُمُونَ)، أي: على أي حال تحكمون، و (كَيْفَ) نصب بـ (تَحْكُمُونَ).
قوله: (والمراد بالأكثر: الجميع): يعني: أن جميعهم متابعون الظن في القول بأن الأصنام


الصفحة التالية
Icon