يعني: أنه كتاب معجز من جهتين: من جهة إعجاز نظمه، ومن جهة ما فيه من الإخبار بالغيوب، فتسرّعوا إلى التكذيب به قبل أن ينظروا في نظمه وبلوغه حدّ الإعجاز، وقبل أن يخبروا أخباره بالغيوب وصدقه وكذبه.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ): يصدق به في نفسه، ويعلم أنه حق، ولكنه يعاند بالتكذيب، ومنهم من يشكّ فيه لا يصدق به، أو يكون للاستقبال، أي: ومنهم من سيؤمن به، ومنهم من سيصرّ، (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) بالمعاندين، أو المصرين.
[(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) ٤١].
(وَإِنْ كَذَّبُوكَ): وإن تموا على تكذيبك ويئست من إجابتهم، فتبرأ منهم وخلهم، فقد أعذرت، كقوله تعالى: (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ) [الشعراء: ٢١٦]، وقيل: هي منسوخة بآية السيف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيء، وما يؤول إليه أمر القرآن: إما من جهة الغموض والخفاء وكونه معجزاً، وإما من جهة عاقبة ما أخبر فيه من المغيبات، وإلى ذلك أشار بقوله: "إنه كتاب معجز من جهتين" إلى آخره، وفرع بقوله: "فيسرعوا إلى التكذيب به قبل أن ينظروا في نظمه وبلوغه حد الإعجاز، وقبل أن يخبروا إخباره بالمغيبات".
قوله: (أو يكون للاستقبال): عطف على قوله: "يصدق به في نفسه"، فالإيمان على الأول: بمعنى التصديق القلبي، وإليه أشار بقوله: "في نفسه"ن والصيغة للحال، وعلى الثاني: بمعنى الإيمان المتعارف، والصيغة للاستقبال المتعارف.
قوله: (وإن تموا على تكذيبك): إشارة على أنه لم يرد به معنى المضي، بل الدوام والثبات على التكذيب، وتكذيب غب تكذيب، يدل عليه الجزاء، وهو قوله: (فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ