قلت: ذكرت الشهادة، والمراد مقتضاها ونتيجتها، وهو العقاب، كأنه قال: ثم الله معاقب على ما يفعلون. وقرأ ابن أبى عبلة: "ثم"، بالفتح، أي: هنالك، ويجوز أن يراد: أنّ الله مؤدّ شهادته على أفعالهم يوم القيامة، حين ينطق جلودهم وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم شاهدة عليهم.
[(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ٤٧].
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ) يبعث إليهم لينبههم على التوحيد، ويدعوهم إلى دين الحق، (فَإِذا جاءَ) هم (رَسُولُهُمْ) بالبينات فكذبوه، ولم يتبعوه، (قُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي: بين النبي ومكذبيه، (بِالْقِسْطِ): بالعدل، فأنجى الرسول وعذب المكذبون، كقوله: (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) [الإسراء: ١٥]، أو لكل أمّة من الأمم يوم القيامة رسول تنسب إليه وتدعى به، فإذا جاء رسولهم الموقف ليشهد عليهم بالكفر والإيمان، كقوله تعالى: (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ) [الزمر: ٦٩].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخلق كونه رقيباً عليهم وحافظاً، وهذا المعنى لا يبرح في الدارين، وإيراد (ثُمَّ) يدل على حدوثه.
وأجاب: أن المراد بالشهادة لازمها، لأن اطلاع الله على أفعالهم القبيحة مستلزم للعقاب، و (ثُمَّ) للتراخي في الرتبة، أو المراد بها إظهار الشهادة يوم القيامة بإنطاق الجوارح، و (ثُمَّ) على ظاهرها.
قوله: (ويجوز أن يُراد): جواب آخر عن السؤال، و"الشهيدُ" على حقيقته، و (ثُمَّ) للتراخي في الزمان أيضاً.
قوله: ٠ (قْضِي بَيْنَهُمْ)): ويُروى بالواو، فعلى هذا لابد من تقدير جواب "إذا".


الصفحة التالية
Icon