..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن كان الجواب: (مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ): فالتقدير: أخبروني إن أتاكم عذاب الله، فأي نوع من العذاب تستعجلونه فتذوقونه. ونظيره قولك: إن أتيتك ماذا تطعمني، أي: أي شيء من المطعومات الشهية والمأكولات اللذيذة تُطعمني. وهذا لا يقال إلا فيما كان الإطعام مما لا مثل فيه، فيستفهم عن نوع ما يطعمه.
وإن كان الجواب مايدل عليه قوله: (َثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِه): فالتقدير: "إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم" فدل هذا على أن الجواب (آمَنْتُمْ)، وهو مضمر على شريطة التفسير، وأن قوله: ((َثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِه) عطف عليه، لأن قوله: "بعد وقوعه حين لا ينفعكم" وُضع موضع "ثُمَّ" ومدخولها، فكأنه قيل: إن أتاكم عذابه آمنتم به، ثم آمنتم به حين لاينفعكم الإيمان.
ثم أدخلت همزة الاستفهام بين المعطوف والمعطوف عليه لمزيد الإنكار، يدل عليه قوله: "دخول حرف الاستفهام على "ثُمَّ" كدخوله على الواو والفاء، في قوله: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى) [الأعراف: ٩٧]، (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى) [الأعراف: ٩٨] "، وذكر هناك: "انهما معطوفان على قوله: (فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً) [الأعراف: ٩٥]، وأن الفاء والواو حرفاً عطف دخلت عليهما همزة الإنكار"، وقد سبق غير مرة بيان هذا الأسلوب، فلا يُقدر المعطوف عليه بعد الهمزة، كما يقال: إن أتاكم عذابه، فقال لكم: أكفرتم قبل إتيان العذاب، ثم إذا ما وقع آمنتم به، كما قيل، فإنه عن مقصود المصنف بمعزل.
وهذا المقام من عويصات هذا الكتاب، قلما يخوض فيه إلا المرتاض في علمي المعاني والبيان.


الصفحة التالية
Icon