أو التي تبين لمن تدبرها أنها من عند الله لا من عند البشر. أو الواضحة التي لا تشتبه على العرب معانيها لنزولها بلسانهم. أو قد أبين فيها ما سألت عنه اليهود من قصة يوسف. فقد روي أن علماء اليهود قالوا لكبراء المشركين: سلوا محمداً لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر؟ وعن قصة يوسف؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حاضراً، بل يكفي أن يكون موجوداً ذهناً"، فقوله: "أي: تلك الآيات التي أنزلت إليك في هذه السورة" إشارة إلى المتصور، وقوله: "آيات السورة الظاهر أمرها" هو المذكور في التنزيل الواقع خبراً لاسم الإشارة الذي المشار إليه به ما في الذهن، قال المصنف في قوله: (هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) [الكهف: ٧٨]: "تصور فراق بينهما عند حلول الميعاد، فأشار إليه، وجعله مبتدأ، وأخبر عنه".
قوله: (أو: قد أبين فيها ما سألت عنه اليهود)، الجوهري: "بان الشيء بياناً: اتضح، فهو بين، وكذلك أبان الشيء فهو مبين، وأبنته أنا، أي: أوضحته، يتعدى ولا يتعدى".
فـ (الْمُبِينِ) ها هنا: يحتمل أن يكون من اللازم ومن المتعدي، وإذا حمل على الأول يحتمل وجهين؛ لأن ظهورها: إما بحسب الألفاظ من كونها معجزاً ظاهر الإعجاز، لا يخفى على أرباب البلاغة أن البشر لا تطيق الإتيان بمثلها، كقوله: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ) [البقرة: ٢٤]، فهو المراد من قوله: "الظاهر أمرها في إعجاز العرب"، أو بحسب المعاني، كقوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، وإليه الإشارة بقوله: "لا تشتبه على العرب معانيها لنزولها بلسانهم".
وإذا حمل على الثاني يحتمل وجهين أيضاً: أحدهما: أنها من الظهور والبيان بمنزلة المبين والمفسر، حيث تحمل التدبر على التقدير، كقوله تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء: ٨٢]، وهو الذي عناه بقوله: "التي