فإن قلت لم أخر الشمس والقمر؟ قلت: أخرهما ليعطفهما على "الكواكب" على طريق الاختصاص، بياناً لفضلهما واستبدادهما بالمزية على عيرهما من الطوالع، كما أخر جبريل وميكائيل عن الملائكة، ثم عطفهما عليها لذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (على طريق الاختصاص بياناً لفضلهما واستبدادهما بالمزية)، وكان من حق الظاهر تقديم "الشمس والقمر" على "الكوكب" بعد إخراجهما من الجنس؛ تقديماً للفاضل على المفضول، كقوله تعالى: (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ) [الأعراف: ٥٤]، لكن خولف هذا الاعتبار بتأخرهما؛ قصداً إلى تغايرهما مطلقاً، وإخراجهما من الجنس رأساً، بحيث لا مناسبة بينهما، كتقديم الفاضل على المفضول.
فإن قلت: ما نحن بصدده ليس من قبيل: (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ) [البقرة: ٩٨]، لأنه من عطف الخاص على العام، لأنهما داخلان في الملائكة، بخلافه ها هنا؟ قلت: يكفي في التشبيه بالفضل والاختصاص تأخيرهما وإخراجهما من جنس الكوكب، وجعلهما مغايرين لها بالعطف، وهو المراد من قوله: "كما أخر"، وقوله: "ثم عطفهما عليها".
فإن قلت: فما فائدة العدول، ولمَ لم يقل: إني رأيت الكوكب والشمس والقمر؛ ليوازي تلك الآية؟ قلت: القصد الأولي في تلك الآية ذكر جبريل وميكائيل، كما دل عليه سبب النزول، وذكر الملائكة للتوطئة والتمهيد، بخلافه ها هنا، فسلك به مسلكاً علم منه المقصود، وأدمج التفضيل والاختصاص، وفيه إشارة إلى أن الآخرة مع تلك الهنات ما سلب عنهم نور الولاية والنبوة.


الصفحة التالية
Icon