فإن قلت: قد اعتذر إليهم بعذرين، فلم أجابوا عن أحدهما دون الآخر؟ قلت: هو الذي كان يغيظهم ويذيقهم الأمرّين فأعاروه آذاناً صما ولم يعبئوا به.
[(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)].
(أَنْ يَجْعَلُوهُ) مفعول "أَجْمَعُوا"؛ من قولك: أجمع الأمر وأزمعه (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) [يونس: ٧١]. وقرئ: "في غيابات الجب"، قيل: هو بئر بيت المقدس. وقيل: بأرض الأردنّ. وقيل: بين مصر ومدين. وقيل: على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب.
وجواب «لما» محذوفٌ. ومعناه: فعلوا به ما فعلوا من الأذى، فقد روي: أنهم لما برزوا به إلى البرّية أظهروا له العداوة وأخذوا يهنونه ويضربونه، وكلما استغاث بواحد منهم لم يغثه إلا بالإهانة والضرب، حتى كادوا يقتلونه. فجعل يصيح: يا أبتاه، لو تعلم ما يصنع بابنك أولاد الإماء، فقال يهوذا: أما أعطيتمونى موثقاً ألا تقتلوه فلما أرادوا إلقاءه في الجب تعلق بثيابهم فنزعوها من يده، فتعلق بحائط البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه، فقال: يا إخوتاه، ردّوا عليّ قميصي أتوارى به،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ها هنا على حقيقتها، وعلى الوجوه السابقة مجاز عن الهلاك، ثم الهلاك إما محمول على الضعف والخور- وهو الوجه الأول-، أو على حقيقة الهلاك، وهو أيضاً على وجهين: إما استحقاق الهلاك أو الدعاء بالهلاك.
قوله: (ويذيقهم الأمرين)، يقال: لقيت من فلان الأمرين، وهي الدواهي، من المرة، وهي القوة، المعنى: ما أجابوا عن هذا العذر لكونهم ما التفتوا إليه أول الأمر، لأن قوله: (لَيَحْزُنُنِي) دل على محبته، ومحبته إياه هي التي أورثتهم الحسد، وأوقعتهم في تلك الورطات.
قوله: (فأعاروه آذاناً صماً)، الضمير للعذر، جعلوا العذر شخصاً، وأعاروه آذانهم


الصفحة التالية
Icon