فإن قلت: فلم جعلت «لولا» متعلقة بـ"همّ بها" وحده ولم تجعلها متعلقة بجملة قوله (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها)، لأن الهمّ لا يتعلق بالجواهر ولكن بالمعاني، فلا بدّ من تقدير المخالطة والمخالطة لا تكون إلا من اثنين معا، فكأنه قيل: ولقد هما بالمخالطة لولا أن منع مانع أحدهما؟ قلت: نعم ما قلت،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندي أن يقال: لا شك أن "لولا" تتقدم بالطبع على الجواب، لأنه هو الذي يوجب الجواب، والموجب يتقدم بالطبع على الموجب ضرورة، فتقديمه عليه إخراج له من الأصل، والإخراج من الأصل لا يجوز إلا بموجب راجح على ما يوجب الإبقاء على الأصل، وهو كونه أهم بالذكر منه، ولما كان الاهتمام بذكره بعد "لولا"، لأنه هو الذي يقتضي ذكره ويوجبه، لم يكن أن يكون أهم منه، فلم يوجد الموجب الراجح لتقديمه، فوجب تأخيره عملاً بالموجب السالم عن المعارض، هذا اختيار الإمام في "تفسيره".
قوله: (لا يتعلق بالجواهر)، أي: بالأعيان. فإذا قلت: هم فلان بزيد؛ فمعناه: هم بقتله أو بشتمه وما أشبههما، ولا تريد: أنه هم بعينه وجثته.
حاصل السؤال: لم علقت "لولا" بالجملة الثانية، ولم تعلق بالجملتين معاً لما لم يمكن ذلك، لأن الهم لا يتعلق بالذوات، وإنما يتعلق بالمعاني، كالمخالطة والمعانقة والملامسة والمباشرة ونحوها، وهذا المعنى مما لا يحصل إلا من الجانبين، فينتزع من مجموع قوله: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا) معنى المخالطة، ثم يقيد هم يوسف بأن يقال: ولقد هما بالمخالطة لولا أن منع مانع أحدهما.
وخلاصة الجواب: أن أخذ الزبدة وإن جاز، لكن يفوت معنى التفصيل المراد من التركيب، لأنه تعالى قصد فيه استقلال كل من الهمين، وتمييز أحدهما عن الآخر؛ بأن أتى بالفعلين، وعطف أحدهما بالآخر، وكان عنه مندوحة، بأن يقال: لقد هما بالمخالطة لولا