ولقد دل بما أردفه من ذكر آيات علمه وتقديره الأشياء على قضاء حكمته أن إعطاءه كل منذر آيات خلاف آيات غيره: أمر مدبر بالعلم النافذ مقدّر بالحكمة الربانية، ولو علم في إجابتهم إلى مقترحهم خيراً ومصلحة، لأجابهم إليه. وأما على الوجه الثاني، فقد دل به على أن من هذه قدرته وهذا علمه، هو القادر وحده على هدايتهم، العالم بأي: طريق يهديهم، ولا سبيل إلى ذلك لغيره.
[(اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ* عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ)].
(اللَّهُ يَعْلَمُ) يحتمل أن يكون كلاماً مستأنفاً، وأن يكون المعنى: هو الله، تفسيراً لـ (هادٍ) على الوجه الأخير، ثم ابتدئ فقيل: (يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) و (ما) في (ما تَحْمِلُ)، (وَما تَغِيضُ)، (وَما تَزْدادُ): إما موصولة وإما مصدرية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم قوله: (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ) على الأول: جملة مستأنفة على تقدير سؤال عن موجب إعطاء كل منذر ما اختص به من الآيات، وإليه الإشارة بقوله: "ولقد دل بما أردفه من ذكر آيات علمه أن إعطاءه كل منذر آيات خلاف آيات غيره أمر مدبر بالعلم النافذ، مقدر بالحكمة الربانية"، وفي تقييد العلم بحمل كل أنثى وغيض الأرحام: أن دلائل الأنفس أدق وألطف، ولا يقدر على كنهها إلا الله عز وجل.
وعلى الثاني: (اللهُ) خبر مبتدأ محذوف، والجملة مفسرة لقوله: (هَادٍ)، والاستئناف من قوله: (يَعْلَمُ) على بيان الموجب، كأنه لما قيل: ولست أنت بقادر على هدايتهم، لكن الله هو القادر على ذلك؛ اتجه لسائل أن يقول: فلأي حكمة ما هداهم الله؟ فقيل: يعلم- بكمال علمه القديم- الهادي والضال، فلابد من وقوع معلومه وسبق قضائه بذلك، لأن كل شيء عنده بمقدار، أي: بقضائه وقدره.