فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزله من السماء فتسيل به أوديةُ الناس فيحيون به وينفعهم أنواع المنافع، وبالفلز الذي ينتفعون به في صوغ الحليّ منه واتخاذ الأوانى والآلات المختلفة، ولو لم يكن إلا الحديد الذي فيه البأس الشديد لكفى به، وأن ذلك ماكث في الأرض باق بقاء ظاهراً، يثبت الماء في منافعه. وتبقى آثاره في العيون والبئار والجبوب، والثمار التي تنبت به مما يدّخر ويكنز،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذلك أنه تعالى لما أمره صلوات الله عليه أن يبكت المشركين بقوله: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ)، ثم يؤنبهم بقوله: (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ)، ويوبخهم على تعكيس الأمر، وهو أنه من علم أنه رب السماوات والأرض وجب عليه أن يعبده ويوحده، فهم جعلوا العلم سبباً للإشراك به، ذيله بضرب المثل بالأعمى والبصير، والظلمات والنور، ولما أضرب عن ذلك بقوله: (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ) أي: شركاء مخلوقين عاجزين لا يقدرون على نفع أنفسهم، فكيف بغيرهم؟ ! وتركوا عبادة خالق كل شيء المتوحد المتفرد الغالب على كل شيء، عقبه بضرب مثل آخر.
قوله: (وبالفلز الذي ينتفعون به)، النهاية: "الفلز- بكسر الفاء واللام وتشديد الزاي-: ما في الأرض من الجواهر المعدنية، كالذهب والفضة والنحاس والرصاص وغيرها، قيل: هو ما ينفيه الكير، ومنه حديث علي رضي الله عنه: (من فلز اللجين والعقيان) ".
قوله: (مما يدخر ويكنز)، خبر لقوله: "والحبوب والثمار"، وفيه لف؛ لأن الادخار مختص بالحبوب، والاكتناز بالثمار.


الصفحة التالية
Icon