(ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) من الأرحام والقرابات، ويدخل فيه وصل قرابة رسول الله وقرابة المؤمنين الثابتة بسبب الإيمان (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: ١٠]- بالإحسان إليهم على حسب الطاقة، ونصرتهم، والذب عنهم، والشفقة عليهم، والنصيحة لهم، وطرح التفرقة بين أنفسهم وبينهم، وإفشاء السلام عليهم، وعيادة مرضاهم، وشهود جنائزهم. ومنه مراعاة حق الأصحاب والخدم والجيران والرفقاء في السفر، وكل ما تعلق منهم بسبب، حتى الهرة والدجاجة. وعن الفضيل بن عياض أنّ جماعة دخلوا عليه بمكة فقال: من أين أنتم؟ قالوا: من أهل خراسان. قال: اتقوا الله وكونوا من حيث شئتم، واعلموا أنّ العبد لو أحسن الإحسان كله وكانت له دجاجة فأساء إليها لم يكن من المحسنين.
(وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أي: يخشون وعيده كله، (وَيَخافُونَ) خصوصاً (سُوءَ الْحِسابِ) فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا.
(صَبَرُوا) مطلقٌ فيما يصبر عليه من المصائب في النفوس والأموال ومشاق التكليف ابْتِغاءَ وَجْهِ الله، لا ليقال: ما أصبره وأحمله للنوازل، وأوقره عند الزلازل، ولا لئلا يعاب بالجزع ولئلا يشمت به الأعداء كقوله:
وَتَجَلُّدِى لِلشّامِتِينَ أُرِيهِمُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمن عطف الخاص على العام، ومن ثم قال: "ويخافون خصوصاً سوء الحساب"، ومثله عطف (وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ) على (صَبَرُوا).
قوله: (وتجلدي للشامتين أريهم)، تمامه- لأبي ذؤيب:
أني لريب الدهر لا أتضعضع