و (الظلمات) و (النور): استعارتان للضلال والهدى (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) بتسهيله وتيسيره، مستعار من الإذن الذي هو تسهيل للحجاب، وذلك ما يمنحهم من اللطف والتوفيق،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخطاب بقوله: (أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ) الآية، مع النبي ﷺ لا مع القوم؟ قلت: معناه: أن المركب من هذه هو كتاب بلغ في البلاغة والإعجاز إلى مكان يخرج بسببه الناس من الظلمات إلى النور.
قوله: (مستعار من الإذن الذي هو تسهيل للحجاب)، قال المصنف: "استعارة "الإذن" للتسهيل والتيسير لأن الدخول في حق المالك متعذر، فإذا صودف الإذن تسهل وتيسر، فملا كان الإذن تسهيلاً لما تعذر من ذلك، وضع موضعه، والمراد: عنده منح اللطف وتيسير الإيمان"، قال محيي السنة: "بأمر ربهم، وقيل: بعلم ربهم".
وقوله: "مستعار من الإذن" بعد قوله: "والظلمات والنور: مستعاران": فيه وجهان:
أحدهما: استقلال كل من الاستعارات.
وثانيهما: أن يعتبر التركيب إما عقلياً أو وهمياً، فيتصور الهدى كأنه نور، والضلال كأنه ظلمة، ويتصور المكلف لانغماسه في ظلمات الكفر بحيث لا يتسهل له الخروج إلى نور الإيمان إلا بأن يتفضل الله تعالى عليه بكرمه، ويبعث رسولاً، وينزل كتاباً، ثم يسهل ذلك عليه، كمن وقع في تيه مظلمة ليس منها الخلاص، ولات حين مناص، وإن ملكاً بعث توقيعاً إلى بعض خواصه في استخلاصه، وضمن تسهيل ذلك على نفسه.
ثم استعمل هناك ما كان مستعملاً ها هنا، فقيل: "كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذننا"، ووضع موضع الضمير قوله: (رَبِّهِمْ)، للإشعار بالتربية واللطف والفضل، وبأن الهداية لطف محض، وفيه: أن الكتاب والرسول والدعوة لا تجدي دون الله، كما قال تعالى: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) [القصص: ٥٦].