واقتصروا على قولهم: (وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) بالنبوّة، لأنه قد علم أنه لا يختصهم بتلك الكرامة إلا وهم أهل لاختصاصهم بها، لخصائص فيهم قد استأثروا بها على أبناء جنسهم (إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) أرادوا أن الإتيان بالآية التي اقترحتموها ليس إلينا ولا في استطاعتنا، وما هو إلا أمر يتعلق بمشيئة الله (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أمرٌ منهم للمؤمنين كافة بالتوكل، وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليا وأمروها به، كأنهم قالوا: ومن حقنا أن نتوكل على الله في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم وما يجرى علينا منكم. ألا ترى إلى قوله (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ) ومعناه: وأي: عذر لنا في أن لا نتوكل عليه (وَقَدْ هَدانا) وقد فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه، وهو التوفيق لهداية كل واحد منا سبيله الذي يجب عليه سلوكه في الدين.
فإن قلت: كيف كرّر الأمر بالتوكل؟ قلت: الأول لاستحداث التوكل، وقوله (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) معناه فليثبت المتوكلون على ما استحدثوا من توكلهم وقصدهم إلى أنفسهم على ما تقدّم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وأمروها به)، الضمير راجع إلى "الأنفس"، وهو عطف على "قصدوا".
قوله: (الأول)، أي: الأول لاستحداث التوكل، والثاني: للثبات عليه، وذلك أن قوله: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ) تذييل للجواب عن قول القوم: (إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا)، كأنهم قالوا: من حقنا أن نتوكل على الله في الصبر على معاندتكم هذه، فلما ذكروا رفع الموانع من التوكل، وأثبتوا السبب فيه، وهو الهداية، وتصريح الصبر على أذى القوم، كروا إلى اختصاص التوكل عليه، فاللام في (الْمُتَوَكِّلُونَ) للعهد التقديري، بدلالة قوله: (فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ)، أي: الواجب علينا في اختصاصنا التوكل على الله أن نشمر له عن ساق الجد، وكلما تجدد الموجب نستجد توكلاً على التوكل.