أو مرفوع بالابتداء، بمعنى: أي شيء أنزله ربكم، فإذا نصبت فمعنى (أَساطِيرُ الْأَوَّلِين) ما يدّعون نزوله أساطير الأوّلين، وإذا رفعته فالمعنى: المنزل أساطير الأوّلين، كقوله (ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) [البقرة: ٢١٩] فيمن رفع. فإن قلت: هو كلام متناقض، لأنه لا يكون منزل ربهم وأساطير؟ قلت: هو على السخرية كقوله: إنّ رسولكم وهو كلام بعضهم لبعض، أو قول المسلمين لهم. وقيل: هو قول المقتسمين: الذين اقتسموا مداخل مكة ينفرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا سألهم وفود الحاج عما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا أَحاديث الأوّلين وأباطيلهم (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ) أي قالوا ذلك إضلالا للناس وصدّاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحملوا أوزار ضلالهم (كامِلَةً) وبعض أوزار من ضلّ بضلالهم، وهو وزر الإضلال، لأن المضلّ والضال شريكان: هذا يضله، وهذا يطاوعه على إضلاله،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سألوا: (مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ) أجابوا: المنزل أساطير الأولين، أي: هو منزل، لكن أساطير، كما قال تعالى: (وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) [التوبة: ٦١].
قوله: (لأن المضل والضال شريكان)، تعليل لحمل المضل بعض أوزار الضال، الذي هو سبب فيه، كأن ما يعمله الضال مشترك بينه وبين المضل، وهما متحاملان الوزر، وإليه ينظر قوله تعالى: (وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ) [الأنعام: ١٢٨]، فإن استمتاع الناس بالجن: دلالتهم إياهم على استيفاء اللذات والتمتع بالشهوات، واستمتاع الجن بالإنس: اعترافهم بكونهم رؤساء متبوعين، وإليه أشار بقوله: "هذا يُضله وهذا يطاوعه"، وأما قوله: "وبعض أوزار من ضل بضلالهم" فمبنيٌّ على أن "مِن" في قوله تعالى: (وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ): تبعيض، وأن المضل غير حاملٍ كل أوزار الضال، وهذا غير مخالف لما روينا عن مسلم ومالك وأبي داود والترمذي، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ قال: "من دعا إلى هدى كان له من الجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك


الصفحة التالية
Icon