وقرئ: (لا يهدى)، أي: لا تقدر أنت ولا أحد على هدايته وقد خذله الله. وقوله (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) دليل على أنّ المراد بالإضلال: الخذلان الذي هو نقيض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقرئ: "لا يُهدى")، على ما لم يُسم فاعله، الكوفيون: (لا يَهْدِي) بفتح الياء وكسر الدال. والباقون بضم الياء وفتح الدال، قال أبو البقاء: في قراءة الضم وجهان، أحدهما: أن (مَنْ يُضِلُ) مبتدأ، و (لا يَهْدِي): خبره. والثاني: أن (لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ) بأسره: خبر (إنَّ)، كقولك: إن زيداً لا يُضربُ أبوه يعني: أن التركيب سببين ومعناه: أن زيداً بمكان من الشرف والكرامة بحيث استحق أن يُكرم أبوه ولا يُهان بالضرب، ونظيره في المعنى: خولان فانكح، ثُم ما في التنزيل مع ذلك التقدير واقع جزاء للشرط ولم يكن يصلح جزاء إلا بتأويل الإعلام والإخبار، وقد تقرر أن مثل هذا الأسلوب غنما يردُ للتقريع، أو التنبيه على أمر خطير خفي على السامع، ولا سيما في جعل اسم "عن" الاسم الجامع للأسماء الحسنى، كأنه قيل: (إِنْ تَحْرِصْ) أنت وكل مخلوق على هداية من أراد الله إضلاله، فاعلم وتنبه أنك قد حاولت مزاولة أمر لا يُرام، ومُحالٍ لا يُستطاع، هذا معنى قوله: "لا تقدرُ أنت ولا أحدٌ على هدايته"، ووجدتُ لبعض الفضلاء على الحاشية: هذه كلمة حق، وقد أخرجها الله تعالى من فمه بلا اختيار منه.
قوله: ((وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) دليل على أن المراد بالإضلال الخذلان)، كأنه قيل: (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ)، فاعلم أن الله لا يهدي من يخذله، وما له من ناصر ينصره.
وقلتُ: ليس تأويل (مَنْ يُضِلُ) بالخذلان أولى من تأويل (مِنْ نَاصِرِينَ) بالهادين، أي: (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ)، فاعلم أن الله لا يهدي من يضله وما له من هاد قط، لا أنت


الصفحة التالية
Icon