بأنهما كفرتان عظيمتان موصوفتان، حقيقتان بأن تحكيا وتدوّنا: توريك ذنوبهم على مشيئة الله، وإنكارهم البعث مقسمين عليه. وبَلى إثبات لما بعد النفي، أي: (بلى) يبعثهم. ووعد الله: مصدر مؤكد لما دلّ عليه بلى. لأن يبعث موعد من الله، وبين أنّ الوفاء بهذا الموعد حق واجب عليه في الحكمة (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أنهم يبعثون أو أنه وعد واجب على الله، لأنهم يقولون: لا يجب على الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كفرتان)، الجوهري: الكفر، بالفتح: التغطية، قال ابن السكيت: ومنه سُمي الكافر؛ لأنه يستر نعم الله تعالى عليه، وفي التخصيص فائدة، وهي أن الكفار يحاولون تغطية ما هو في غاية الظهور والجلاء، والأولى أن يعطف الجملة كما هي على جملة الشرط والجزاء، كأنه تعالى يخبر عن مبالغة حرص النبي ﷺ على هدايتهم، وعن تناهي ضلالهم مفوضاً ترتب إحدى الجملتين على الأخرى إلى فهم السامع.
قوله: (أو أنه وعد واجب)، أي: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أنه وعد واجب على الله، لأنهم يقولون: "لا يجب على الله شيء، لا ثواب عامل ولا غيره"، وفيه تعريض بأهل السنة، قال صاحب "الفرائد": لا دلالة في الآية على ما قال، لكن المعنى: لا يعلمون كمال قدرته، وبالغ حكمته في بعثه بعد إماتته.
وقلت: الذي دل عليه السياق أن معناه: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك الوعد الحق والقول الصدق لقوله: (وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً) كقوله تعالى: (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ) [يونس: ٤]، فالمقدر الوعد الواجب بحسب أنه تعالى لا يخلف الميعاد، لا أن العبد يوجب عليه ذلك بسبب عمله. وأما الجزاء من الثواب والعقاب، فهو تابع للبعث، أو (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أنه تعالى يبعثهم، أي: بمسألة البعث التي مبناها على كونه تعالى عالماً بكل المعلومات، قادراً على كل المقدورات، كالفلاسفة وأضرابهم خذلهم الله.


الصفحة التالية
Icon