عبر عن النوعين بلفظ واحد؟ قلت: المراد بسجود المكلفين: طاعتهم وعبادتهم، وبسجود غيرهم: انقياده لإرادة الله وأنها غير ممتنعة عليها، وكلا السجودين يجمعها معنى الانقياد فلم يختلفا، فلذلك جاز أن يعبر عنهما بلفظ واحد. فإن قلت: فهلا جيء بمن دون (ما) تغليباً للعقلاء من الدواب على غيرهم؟ قلت: لأنه لو جيء بمن لم يكن فيه دليل على التغليب، فكان متناولا للعقلاء خاصة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وكلا السجودين يجمعهما معنى الانقياد فلم يختلفا)، "الانتصاف": استدل بالآية من أجاز استعمال المشترك في معنييه وفي حقيقته ومجازه شمولاً، والزمخشري يُنكره في مواضع من كتابه، فحمله على القدر المشترك وجعله متواطئاً ليسلم من الجمع بين الحقيقة والمجاز، ويبطله أن الآية آية سجدة، وفيه دليل على أن المراد من السجود المذكور: ما هو منسوب إلى المكلف من الفعل المتعارف شرعاً، فيبطل القول بالقدر المشترك.
قلت: ويمكن أن يقال: إن قوله: (يَسْجُدُ) واردٌ على عموم المجاز الذي يكون كل من الحقيقة والمجاز فرداً من أفراده، والمكلف إنما يسجدُ لمقتضى ما يناسبه.
الراغب: السجود أصله: التطامن والتذلل، وجُعل ذلك عبارة عن التذلل لله وعبادته، وهو عام في الإنسان وغيره، وذلك ضربان: اختياري: وليس ذلك إلا للإنسان وبه يستحق الثواب، قال الله تعالى: (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا). وتسخيري، وهو للإنسان وغيره، وعلى ذلك قوله تعالى: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) [الرعد: ١٥] الآية، وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة على كونها مخلوقة، وأنها خلق فاعل حكيم، قوله تعالى: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) ينطوي على النوعين.
قوله: (لم يكن فيه دليل على التغليب)، قلت: ما أبينه من دليل، فإنه لو جيء


الصفحة التالية
Icon