قلت: يجوز أن يكون الخطاب في قوله (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) عاماً، ويريد بالفريق: فريق الكفرة وأن يكون الخطاب للمشركين (ومنكم) للبيان، لا للتبعيض، كأنه قال فإذا فريق كافر، وهم أنتم. ويجوز أن يكون فيهم من اعتبر، كقوله (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ)] لقمان: ٣٢ [، (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) من نعمة الكشف عنهم،
كأنهم جعلوا غرضهم في الشرك كفران النعمة (فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) تخلية ووعيد. وقرئ: (فيمتعوا)، بالياء مبنيا للمفعول، عطفا على (لِيَكْفُرُوا) ويجوز أن يكون: (ليكفروا) فيمتعوا، من الأمر الوارد في معنى الخذلان والتخلية، واللام لام الأمر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما قطعُ قوله: (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ) فلأنه جملة طبية واردة كالطبع على جملة الكلام، وكالتخلص إلى نوع آخر من قبائح المشركين، ولذلك عدل من الخطاب على الغيبة إيذاناً بالإياس عن إيمانهم، ونعياً عليهم بسوء الخاتمة، وبان يقال لهم: دوموا على كفركم فسوف تعلمون وخامة عاقبة أمركم.
ولله دَرُّ فاءٍ فائقة، جلبت هذه المعاني الرائقة، رحم الله واضعها في هذا المقام، والله أعلم.
قوله: (تخلية ووعيدٌ)، نشر لقوله: (فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)، يعني: خليناكم وأمهلناكم ونمتعكم بالدنيا ولذاتها، وعن قريب يظهر لكم سوء مغبته ووخامة عاقبته. قال أبو البقاء: الجمهور (فَتَمَتَّعُوا): على أنه أمرٌ، ويُقرأ بالياء، وهو معطوف على (لِيَكْفُرُوا) ثم رجع إلى الخطاب فقال: (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)، وقُرئ بالياء أيضاً.
قوله: (من الأمر الوارد في معنى الخذلان والتخلية)، وهو كقوله تعالى: (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً) [الزمر: ٨].


الصفحة التالية
Icon