بيوتك، فاسلكي إلى بيوتك راجعة سبل ربك، لا تتوعر عليك ولا تضلين فيها، فقد بلغني أنها ربما أجدب عليها ما حولها فتسافر إلى البلد البعيد في طلب النجعة. أو أراد بقوله: (ثُمَّ كُلِي): ثم اقصدي أكل الثمرات فاسلكي في طلبها في مظانها سبل ربك (ذُلُلًا) جمع ذلول، وهي حال من السبل، لأنّ الله ذللها لها ووطأها وسهلها، كقوله: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا) [الملك: ١٥] أو من الضمير في (فَاسْلُكِي)، أي: وأنت ذلل منقادة لما أمرت به غير ممتنعة. (شَرابٌ): يريد العسل؛ لأنه مما يشرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أو أراد بقوله: (ثُمَّ كُلِي) ثم اقصدي)، عطفٌ على قوله: "كلي من كل ثمرة تشتهينها"، وهو على أسلوب قوله: (فَإِذَا قَرَاتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ) [النحل: ٩٨]، وعلى الأول: أي: على غير هذا الأسلوب، الفاء جواب شرط محذوف. وعلى الثاني: سلوك السبيل على الحقيقة قطعاً، وعلى الأول تحتمل المجاز أيضاً، وهو على وجهين، أحدهما: المرادُ: استعمال الصنعة الغريبة في العمل، ومنه سلوك العارف، ومن ثم قال: الطرق التي ألهمك، وثانيهما: المراد استعمال المأكول في أجوافها ومسالكها التي تُحيل فيها النور المر عسلاً، ومنه: سلكت الخيط في الإبرة. وأما الحقيقة فهو قوله: "فاسلكي إلى بيوتك راجعة (سُبُلَ رَبِّكِ) "، والفرق بين هذا الوجه وبين قوله: ثم اقصدي، أن السلوك على هذا من مراعيها إلى البيوت راجعة، وعلى ذلك: من بيوتها إلى مراعيها قاصدة.
الانتصاف: وكل الأكل إلى شهوتها فلم يحجر عليها، كما حجر في البيوت؛ لأن مصلحة الأكل حاملة على الإطلاق. وأما البيوت، فلايحصل مصلحتها في كل موضع، ولذلك دخلت (ثُم) لتفاوت الأمر في الحجر في البيوت، والإطلاق في الأكل، كما تقول: راعِ الحلال فيما تأكله، ثم كل مما شئت.
وقلتُ: إنما عدل من خطابها إلى الغيبة في قوله: (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا) للتخلص إلى امتنان الناس؛ لأن المقصود من خلق النحل وإلهامه: انتفاعهم به.
قوله: (وأنت ذللٌ)، جمع الخبر، والمبتدأ مفرد؛ لأن الخطاب في قوله تعالى: (فَاسْلُكِي


الصفحة التالية
Icon