فاكسوهم مما تلبسون، وأطعموهم مما تطعمون)، فما رؤي عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه وإزاره إزاره من غير تفاوت. (أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) فجعل ذلك من جملة جحود النعمة. وقيل: هو مثل ضربه الله للذين جعلوا له شركاء، فقال لهم: أنتم لا تسوّون بينكم وبين عبيدكم فيما أنعمت به عليكم، ولا تجعلونهم فيه شركاء، ولا ترضون ذلك لأنفسكم، فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي لي شركاء؟ ! وقيل: المعنى: أنّ الموالي والمماليك أنا رازقهم جميعاً، فهم في رزقي سواء، فلا تحسبن الموالي أنهم يردون على مماليكهم من عندهم شيئاً من الرزق، فإنما ذلك رزقي أجريه إليهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعرور بن سويد: رأيت أبا ذر وعليه حلة، وعلى غلامه حُلة مثلها، فسألته عن ذلك، فذكر انه ساب رجلاً فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك امرؤ فيك جاهلية"، قلت: على ساعتي هذه من كير السن؟ فقال: "نعم، هم إخوانكم وخولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم".
قوله: (فجعل ذلك)، أي: عدم المساواة أو الرد بفضل ما رزقوهم عليه، المعنى: الله الذي فضل بعضكم على بعض في الرزق، فشكر ذلك أن تواسوا إخوانكم فيه، فما بالكم لا تواسون، أولا تردون رزقكم عليهم فتستووا في الرزق؟ فسر الآية بوجوه، أحدها: بين فيه حكم حسن الملكة كما سبق. وثانيها: أن يكون تمثيلاً، والممثل به ما تُعورف بين الناس من أحوال السادات مع المماليك، فذكره لتوبيخ المشركين. وثالثها: بين أن جميع النعم التي عدها من أول السورة، واصلة من الله تعالى إلى العبيد، سواء كانوا أحراراً أو مماليك، لئلا يمن أحدٌ على أحد.
فإن قلت: لا يجوز أن يكون تمثيلاً لخلو الكلام عن القرينة الداعية إلى التمثيل؟
قلت: يمكن أن تُجعل القرينة كون الآية تخلصاً إلى نوع آخر من بيان قبائح الكفار وكفرانهم نعم الله المتواترة، وهو قوله: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) إلى قوله: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ)، والتنبيه على القرينة قوله: (أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ).


الصفحة التالية
Icon