ولدتم عليه، واجتلاب العلم والعمل به؛ من شكر المنعم، وعبادته، والقيام بحقوقه، والترقي إلى ما يسعدكم. والأفئدة في فؤاد، كالأغربة في غراب، وهو من جموع القلة التي جرت مجرى جموع الكثرة، والقلة إذا لم يرد في السماع غيرها، كما جاء: شسوع في جمع شسع لا غير، فجرت ذلك المجرى.
[(أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)].
قرئ: (لم يروا) بالتاء والياء. (مُسَخَّراتٍ): مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المواتية لذلك. والجوّ: الهواء المتباعد من الأرض في سمت العلوّ والسكاك أبعد منه، واللوح مثله (ما يُمْسِكُهُنَّ) في قبضهن وبسطهن ووقوفهن (إِلَّا اللَّهُ) بقدرته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحصيل المعالم الكسبية بالنظر فيها لكي تعرفوا ما أنعم عليكم طوراً بعد طور فتشكروه.
وفي هذا التقرير إشعارٌ بأن قوله: (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) تعليل للجعل لا للإخراج، فيفيد معنى الحصر الذي قرره المصنف، كأنه قيل: خلقكم وأنتم كالجماد، ثم جعل لكم أدوات لتتميزوا عنه.
قوله: (جرت مجرى جموع الكثرة والقلة)، أي: هي مشتركة تستعمل تارة في القلة وأخرى في الكثرة، واستعملت هنا في الكثرة؛ لأن الخطاب في (أَخْرَجَكُمْ) عام.
قوله: ((مَا يُمْسِكُهُنَّ) في قبضهن وبسطهن ووقوفهن (إلا الله))، كقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ) [الملك: ١٩]، قال القاضي: إن ثقل جسدها يقتضي سقوطها، ولا علاقة فوقها، ولا دعامة تحتها تمسكها، وخلق الجو بحيث يمكن الطيران فيه.


الصفحة التالية
Icon