[(وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ* وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)].
إن أرادوا بالشركاء آلهتهم؛ فمعنى (شُرَكاؤُنَا): آلهتنا التي دعوناها شركاء. وإن أرادوا الشياطين؛ فلأنهم شركاؤهم في الكفر وقرناؤهم في الغيّ: (ونَدْعُوا): بمعنى نعبد. فإن قلت: لم قالوا (إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) وكانوا يعبدونهم على الصحة؟ قلت: لما كانوا غير راضين بعبادتهم فكأن عبادتهم لم تكن عبادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بأن قوله: (الَّذِينَ ظَلَمُوا)، مُظهر وُضع موضع المضمر للإشعار بأن العذاب إنما لم يخفف عنهم؛ لأنهم ظلموا، وأن الفاء في: (فَلا يُخَفَّفُ) فصيحة، وليست بجواب "إذا"، والجزاء المقدر، هو قوله: "بغتهم وثقل عليهم"، والشاهد على المقدر قوله: (بَلْ تَاتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ) [الأنبياء: ٤٠]، فقوله: "بغته" مثل (تَاتِيهِمْ بَغْتَةً)، وقوله: "ثقل عليهم" مثل (فَتَبْهَتُهُمْ)، وقوله: (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ) مثل (فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا)، وقوله: (وَلا هُمْ يُنظَرُونَ) مثله في الآية المستشهد [بها].
قوله: (لما كانوا غير راضين)، يعني: المراد بالشركاء في قوله: (وَإِذَا رءا الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ)، وهم كل من عُبد من دون الله من الملائكة والمسيح وعُزير والجن والإنس والشياطين كما سبق آنفاً، إذ المقامُ يقتضي العموم لقوله تعالى: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً)، ومن هو مثل الملائكة يكذبونهم لوجهين: أحدهما: يكذبونهم لما أنهم كانوا معرضين غير راضين بعبادتهم. وثانيهما: التكذيب راجعٌ على تسميتهم شركاء، وقولهم: (هَؤُلاء شُرَكَاؤُنَا) وعلى الأول إلى فعلهم وعبادتهم لهم، وإنما قلنا: مثلُ الملائكة لاستشهاده بقوله: (كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ).


الصفحة التالية
Icon