والمعنى: فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ، كقوله: (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) [المائدة: ٦]، وكقولك: إذا أكلت فسمّ الله. فإن قلت: لم عبر عن إرادة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصلي يستعيذ في كل ركعة؛ لأن الحكم المترتب على شرط يتكرر بتكرره قياساً.
قلت: ويمكن أن يُقال: إن قوله: (فَإِذَا قَرَاتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ) متصل بالفاء بما سق من قوله: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)، وذلك أنه تعالى لما من عليه صلوات الله عليه بإنزال كتاب جامع لصفات الكتاب، وأنه تبيان لكل شيء، ونبه على كونه تبياناً لكل شيء بالكلمة الجامعة، وهي قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) الآية، وعطف عليه: (أَوْفُوا بِالْعَهْدِ) وأكده ذلك التأكيد، قال بعد ذلك: (فَإِذَا قَرَاتَ) أي: إذا شرعت في قراءة هذا الكتاب الشريف الجامع الذي نُبهت على بعض ما اشتمل عليه، ونازعك فيه الشيطان بهمزه ونفخه ونفثه، فاستعذ بالله، والمقصود: إرشاد الأمة، ويظهر بهذا فائدة وضع القرآن موضع المضمر؛ لأن القرآن: الجمع والضم، ولهذا قلنا: الكتاب الشريف الجامع، وينتظم معه قوله: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ)، فإن ذلك من منشأ النزع الذي يورده حزب الشيطان، ويقول: لو كان من عند الله لما تطرق إليه النسخ والتبديل، والله أعلم.
قوله: (كقوله: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) [المائدة: ٦]، قال صاحب "الفرائد": المستشهد ليس من قبيل ما نحن فيه؛ لأن هناك تركاً للظاهر بدليل، وهنا بغير دليل.
قلت: دليله إجماع الفقهاء، وسنده ما رواه أبو داود وابن ماجه، عن جبير بن مطعم، أنه رأى النبي ﷺ يقول بعد تكبير الصلاة: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من نفخه ونفثه وهمزه".


الصفحة التالية
Icon