والمعنى: لسان الرجل الذي يميلون قولهم عن الاستقامة إليه لسان (أَعْجَمِيٌّ): غير بين، (وَهذا) القرآن (لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ): ذو بيان وفصاحة ردّا لقولهم وإبطالا لطعنهم. وقرئ (يُلْحِدُونَ) بفتح الياء والحاء. وفي قراءة الحسن: (اللسان الذي يلحدون إليه) بتعريف اللسان. فإن قلت: الجملة التي هي قوله: (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ) ما محلها؟ قلت: لا محل لها، لأنها مستأنفة جواب لقولهم. ومثله قوله: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) بعد قوله: (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ) [الأنعام: ١٢٤].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقرئ: "يلحدون" بفتح الياء والحاء)، قرأها حمزة.
قوله: (مستأنفة: جواب لقولهم)، فإنه تعالى لما قال: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) ومرجعه أنه مُفترٍ، وأن ما جاء به ليس من عند الله، اتجه لقائل أن يقول: فماذا أجاب الله عن ذلك؟ فقيل: قال: (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ).
قوله: (ومثله قوله: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) [الأنعام: ١٢٤]، وجه التشبيه: هو أن قولهم: (لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ) [الأنعام: ١٢٣] كقولهم: (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) في إثبات الشيء على خلاف ما ينبغي أن يكون عليه، ومرجعهما: أن رسول الله ﷺ مفتر، وأن ما جاء به ليس من عند الله، بل من قبل غيره، ألا ترى كيف عقبه بقوله: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ)؟ وخلاصة الردين: تجهيل القوم، وعدم تمييزهم بين الحق الصُّراح والباطل المحض، وأن كلامهم من الجُزاف الذي يُرمى من غير فكر وروية، ألا ترى إلى قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمْ اللَّهُ) كأنه قيل: عن النبوة ليست بالمال والحسب، وإنما هي بفضائل نفسانية يختص بها من يمثله من عباده، فيجتبي لرسالته من علم أنه يصلح لها؟ فكيف تؤتونها وأنتم لستم بمكانها، بل تستحقون أن يُفعل بكم كل هوان وخزي ونكال بقولكم: (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ)؛ لأن المتعلم إنما يستفيد من المعلم ما هو أعلم به، وأقدم منه، وما أتى به صلوات الله عليه كلامٌ


الصفحة التالية
Icon