الحقيقة؛ لشيوعها في البلايا والشدائد وما يمسّ الناس منها، فيقولون: ذاق فلان البؤس والضر، وأذاقه العذاب؛ شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الراء، اسم مفعول، وهو مثل الفعل في امتناع إيقاع الاستعارة فيه لامتناع وقوعه موصوفاً، ولو أريد تقرير التبعية لقيل: شُبهت إصابة العذاب ولحوقه بهم بإذاقة الطعم البشع المر، ثم سرت الاستعارة من الإذاقة إلى "أذاق"، فيكون استعارة مصرحة تبعية؛ لأن المشبه المتروك أمرٌ عقلي، وإنما اضطر إلى هذا التأويل، لأن الاستعارة وقعت في لباس الجوع، وقد فرع عليها (فَأَذَاقَهَا)، وهو لا يناسبها ترشيحاً ولا تجريداً فيُجعل بمعنى الإصابة ليكون تجريداً.
الراغب: الذوق: وجود الطعم بالفم، وأصله فيما يقل تناوله دون ما يكثر، فإن ما يكثر منه يقال له: الأكل، واختير في التنزيل لفظ الذوق في العذاب لأن ذلك وإن كان في التعاريف للقليل فهو مستصلح للكثير، فخصه بالذكر ليعم الأمرين، وكثر استعماله في العذاب نحو: (لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ) [النساء: ٥٦]، وقد جاء في الرحمة نحو: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً) [هود: ٩] ويعبر به عن الاختبار، فيقال: أذقته كذا فذاق. ويقال: فلان ذاق كذا، وأنا أكلته، أي: خبرته أكثر مما خبر.
وقال: الطعم: تناول الغذاء، ويسمى ما يتناول منه طعم وطعام، ورجل طاعم: حسن الحال. وقوله تعالى: (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ)، فاستعمال الذوق مع اللباس من أجل أنه أريد به التجربة والاختبار، أي: فجعلها بحيث تمارس الجوع والخوف. وقيل: إن ذلك على تقدير كلامين، كأنه قيل: أذاقها الجوع والخوف وألبسها لباسهما.


الصفحة التالية
Icon