حلال وهذا حرام. ولك أن تنصب (الكذب) بـ (تصف)، وتجعل «ما» مصدرية، وتعلق (هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) بـ (لا تقولوا)، على: ولا تقولوا: هذا حلال وهذا حرام؛ لوصف ألسنتكم الكذب، أى: لا تحرموا ولا تحللوا لأجل قول تنطق به ألسنتكم ويجول في أفواهكم، لا لأجل حجة وبينة، ولكن قول ساذج ودعوى فارغة. فإن قلت: ما معنى وصف ألسنتهم الكذب؟ قلت: هو من فصيح الكلام وبليغه، جعل قولهم كأنه عين الكذب ومحضه، فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالفاء في: "فتقول" في الكتاب كالفاء في قوله: (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) [البقرة: ٥٤].
قوله: (ولك أن تنصب (الْكَذِبَ) بـ (تَصِفُ)، عطف على قوله: "وانتصاب الكذب بـ (لا تَقُولُوا) "، و (مَا): مصدرية، واللام بمعنى: لأجل، وعلى الأول موصولة، واللام صلة لقوله: (لا تَقُولُوا).
قوله: (جعل قولهم كأنه عينُ الكذب ومحضه)، قال الإمام والقاضي: كأن ماهية الكذب وحقيقته مجهولة، وكلامهم يكشف عن حقيقة الكذب ويوضح ماهيته، أراد أن قوله: (تَصِفُ) بمعنى: توضح وتبين؛ لأن بعض الصفات بمنزلة الكاشف عن المحدود، والتعريف في الكذب للجنس، فكأن ألسنتهم إذا أخذت في النطق وصفت ذلك الجنس وكشفت عن حقيقته، عليه قول أبي العلاء:

سرى برق المعرة بعد وهن فبات برامة يصف الكلالا
هذا، وأما ما عليه ظاهر كلام المصنف، فهو أن أصل الكلام لا تقولوا: هذا حلال وهذا حرامٌ، لأجل قولكم الكذب. فالقول وصف بالكذب في قوله: "لأجل قول تنطق به ألسنتكم" ليؤذن بأن ذلك تفوه وتقول من غير تحقيق، كقوله: (ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ) [الأحزاب: ٤]، وإليه الإشارة بقوله "لا لأجل حجة وبينة"، ثم زيد في المبالغة بأن قيل: (تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ) ليُعلم أن قولهم- لكثرة اتصافه بالكذب- صار بمنزلة


الصفحة التالية
Icon