و (لا تكن في ضيق)، أي: ولا يضيقن صدرك من مكرهم. والضيق: تخفيف الضيق، أي: في أمر ضيق. ويجوز أن يكون الضيق والضيق مصدرين، كالقيل والقول. (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) أي هو ولىّ الذين اجتنبوا المعاصي وَولى (الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) في أعمالهم. وعن هرم بن حيان أنه قيل له حين احتضر: أوص. فقال: إنما الوصية من المال ولا مال لي، وأوصيكم بخواتيم سورة النحل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ولا يضيقن صدرك)، وهو من باب "لا أرينك هاهنا"، أي: ولا تكن بحيثُ يضيق صدرك إذا نابك منهم مكروه، أي: لا تباشر القلق والضجر، وذلك مستفاد من نهي كينونته في ضيقن والعدول من: "ولا يضيق صدرك".
قوله: (والضيق تخفيف الضيق)، قال أبو البقاء: (ضَيْقٍ)، بفتح الضاد، فيه وجهان: أحدهما: أنه مصدر ضاق، مثل: سار سيراً، والثاني: هو مخفف من الضيق، أي: في أمر ضيق، مثل سيد وميت.
قوله: (أي: هو وليُّ الذي اجتنبوا المعاصي، وولي (الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) في أعمالهم)، راعى المطابقة في تفسير الصلتين، ففسر الفعلية بالفعلية، والاسمية بالاسمية.
فإن قلت: ما الوجه في تخصيص إحدى الصلتين في كونها فعلية، والأخرى اسمية؟ قلت: ليؤذن بأن التقوى مقدمة الإحسان، فمن حاول ملازمة الإحسان والمواظبة عليه يجب استحداث التقوى قبله؛ لأن التحلية بعد التصفية، ثم تخصيص الإحسان بالذكر، وإيراد الجملة اسمية، وبناء (مُحْسِنُونَ) على (هُمْ) على سبيل تقوى الحكم: مؤذن باستدامة الإحسان واستحكامه، وهو مستلزم لاستمرار التقوى؛ لأن الإحسان إنما يتم إذا لم يعد إلى ما كان عليه من الإساءة. وإليه الإشارة بما ورد "من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، وقطعُ متعلقِ التقوى والإحسان - على طريقة قوله: "فلانٌ يعطي ويمنع - مشعرٌ باتحاد حقيقتهما، فلا تختص بمُتقٍ دون متقٍن وبمحسنٍ دون محسن، فيجبُ أن


الصفحة التالية
Icon