من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة، وذلك أنّ التنكير فيه قد دلّ على معنى البعضية. ويشهد لذلك قراءة عبد الله
وحذيفة: (من الليل)، أي: بعض الليل، كقوله (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً)] الإسراء: ٧٩ [يعني: الأمر بالقيام في بعض الليل. واختلف في المكان الذي أسرى منه فقيل: هو المسجد الحرام بعينه، وهو الظاهر. وروي عن النبي ﷺ «بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل عليه السلام بالبراق وقيل: أسرى به من دار أم هانئ بنت أبى طالب والمراد بالمسجد الحرام: الحرم، لإحاطته بالمسجد والتباسه به. وعن ابن عباس: الحرم كله مسجد. وروى أنه كان نائمًا في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسرى به ورجع من ليلته، وقص القصة على أم هانئ، وقال: مثل لي النبيون فصليت بهم وقام ليخرج إلى المسجد فتشبثت أم هانئ بثوبه فقال: مالك؟ قالت: أخشى أن يكذبك قومك إن أخبرتهم، قال: وإن كذبوني، فخرج فجلس إليه أبو جهل فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال بعضهم: قيل: (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) فغمض عينه عن الآيات شُغلاً منه بالحق، ولم يلتفت إلى شيء من الآيات والكرامات، فقيل له: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: ٤]، حيث لم يشغلك ما لنا عنا. انتهى ما في "الحقائق".
قوله: (فقيل: هو المسجد الحرام بعينه)، وهو الظاهر، لما روينا عن البخاري ومسلم والترمذي النسائي، عن قتادة، عن أنس بن مالك بن صعصعة، أن نبي الله حدثهم عن ليلة أُسري به، قال: بينا أنا في الحطيم، وربما قال: في الحجر، مضطجع، ومنهم من قال: بين النائم واليقظان، إذ أتاني آتٍ، وفي رواية أخرى للبخاري ومسلم، عن أنس قال: كان أبو ذر يُحدثُ أن رسول الله ﷺ قال: "فُرجَ سقفُ بيتي وأنا بمكة".
قوله: (قال: "وإن كذبوني")، أي: أنا اخبرهم وإن كذبوني.