فإن قلت: علام عطف (وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)؟ قلت: على (أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) على معنى: أنه بشر المؤمنين ببشارتين اثنتين: بثوابهم، وبعقاب أعدائهم ويجوز أن يراد: ويخبر بأن الذين لا يؤمنون معذبون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واصل بن عطاء. وقلتُ: هذا من جملة البدع المنهي عنها في قوله صلى الله عليه وسلم: "خيرُ الهدي هديُ محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة". أخرجه مسلمٌ، والترمذي عن جابر.
قوله: (ويجوز أن يُراد: ويُخبر بأن الذين)، يعني: هو عطفٌ على قوله: (يَهْدِي) أي: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) ويخبر أن الذين لا يؤمنون معذبون، هذا أوجه من الأول وأحسن التئاماً، كأنه قيل: بشيرٌ للمؤمنين ونذيرٌ للكافرين. ويمكن أن يكون معطوفاً من حيث المعنى على قوله: (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ)، أي: يُبشر المؤمنين وينذر الكافرين.
وأما اتصالُ الآية بما قبلها، فقد قال الإمام: إنه قال لما شرح ما فعله في حق عباده المخلصين، وهو الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإيتاء التوراة لموسى عليه السلام، وما فعله في حق العصاة والمتمردين، وهو تسليط أنواع البلاء عليهم، كان ذلك تنبيهاً على ان طاعة الله تُوجب كل خيروكرامة، ومعصيته توجب كل بلية وغرامة، لا جرم قال: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) ثم عطف عليه: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ) الآية، لجامع دليلي السمع والعقل، أو نعمتي الدين والدنيا، وأما اتصال قوله: (وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ) فهو أنه تعالى لما وصف القرآن حتى بلغ به الدرجة القُصيا في الهداية أتى بذكر من أفرط في كفران هذه البُغية الأسنى والنعمة العظمى، قائلاً: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ) [الأنفال: ٣٢]، فظهر أن الذي ذهب إليه ابن عباس: "هو النضر بن الحارث" هو المذهب.


الصفحة التالية
Icon