[(مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)].
أي: كل نفس حاملة وزرا، فإنما تحمل وزرها لا وزر نفس أخرى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) وما صحّ منا صحة تدعو إليها الحكمة أن نعذب قوما إلا بعد أن (نَبْعَثَ) إليهم (رَسُولًا) فتلزمهم الحجة. فإن قلت: الحجة لازمة لهم قبل بعثة الرسل، لأنّ معهم أدلة العقل التي بها يعرف الله، وقد أغفلوا النظر وهم متمكنون منه، واستيجابهم العذاب لإغفالهم النظر فيما معهم، وكفرهم لذلك، لا لإغفال الشرائع التي لا سبيل إليها إلا بالتوقيف، والعمل بها لا يصح إلا بعد الإيمان. قلت: بعثة الرسل من جملة التنبيه على النظر والإيقاظ من رقدة الغفلة، لئلا يقولوا: كنا غافلين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً). يا ابن آدم، أنصفك من جعلك حسيب نفسك.
قوله: (والحجة لازمة لهم قبل بعثه الرسل؛ لأن معهم أدلة العقل)، ثم قوله: (بعثة الرسل من جملة التنبيه على النظر). الانتصاف: هذا مذهبٌ باطلٌ اعتزاليٌ، ومذهب أهل السنة أنه لا حكم قبل الشرع ولا تكاليف إلا به، ولا تجب الحجة إلا بالبعثة، والآية دالة عليه، فلا معنى لتحريفها. وقال محيي السنة: وفي الآية دليل على أن ما وجب، وجب بالسمع لا بالعقل، وكذا عن الواحدي.
قلت: يؤيده قوله تعالى: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ) [النساء: ١٦٥]؛ لأن البشارة والنذارة إنما يكونان بالجنة والنار، والعقل لا مجال له في إثباتهما.


الصفحة التالية
Icon