منون: الكسر على أصل البناء، والفتح تخفيف للضمة والتشديد كـ"ثم"، والضم إتباع كـ"منذ". فإن قلت: ما معنى عندك؟ قلت: هو أن يكبرا ويعجزا، وكانا كلا على ولدهما لا كافل لهما غيره، فهما عنده في بيته وكنفه، وذلك أشق عليه وأشدّ احتمالاً وصبراً، وربما تولى منهما ما كانا يتوليان منه في حال الطفولة، فهو مأمور بأن يستعمل معهما وطأة الخلق ولين الجانب والاحتمال، حتى لا يقول لهما إذا أضجره ما يستقذر منهما أو يستثقل من مؤنهما: أف، فضلا عما يزيد عليه. ولقد بالغ سبحانه في التوصية بهما حيث افتتحها بأن شفع (وبالوالدين إحسانا) الإحسان إليهما بتوحيده، ونظمهما في سلك القضاء بهما معاً، ثم ضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخص في أدنى كلمة تنفلت من المتضجر مع موجبات الضجر ومقتضياته، ومع أحوال لا يكاد يدخل صبر الإنسان معها في استطاعة (وَلا تَنْهَرْهُما) ولا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك. والنهى والنهر والنهم: أخوات (وَقُلْ لَهُما) بدل التأفيف والنهر (قَوْلًا كَرِيمًا) جميلا، كما يقتضيه حسن الأدب والنزول على المروءة. وقيل: هو أن يقول: يا أبتاه، يا أماه، كما قال إبراهيم لأبيه: (يا أبت) [مريم: ٤٢]، مع كفره، ولا يدعوهما بأسمائهما فإنه من الجفاء وسوء الأدب وعادة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال ابن جني: وكان القياس إذا خففت أن تُسكن آخرها؛ لأنه لم يلتق فيها ساكنان فتُحرك، لكنهم بقوا الحركة مع التخفيف أمارة ودلالة على أنها قد كانت مثقلة مفتوحة.
الراغب: أصل الألف: كل مستقذر من وسخ وقلامة ظفر ونحوهما، ويقالُ ذلك لكل مستخف به استقذاراً له، نحو: (أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) [الأنبياء: ٦٧]، وقد أففت لكذا، إذا قلت ذلك استقذاراً له، ومنه قيل للضجر من استقذار شيء: أفف فلان.
قوله: (هو أن يكبرا ويعجزا)، يعني: معنى (عِنْدِكَ) هاهنا: كناية عن العجز وعن كونهما كلا على ولدهما.


الصفحة التالية
Icon