وروي: «يفعل البارّ ما يشاء أن يفعل فلن يدخل النار، ويفعل العاق ما يشاء أن يفعل فلن يدخل الجنة».
وروى سعيد بن المسيب: إنّ البارّ لا يموت ميتة سوء. وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ أبويّ بلغا من الكبر أني ألي منهما ما وليا مني في الصغر، فهل قضيتهما؟ قال: لا، فإنهما كان يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك، وأنت تفعل ذلك وأنت تريد موتهما»، وشكا رجل إلى رسول الله أباه وأنه يأخذ ماله، فدعا به فإذا شيخ يتوكأ على عصا، فسأله فقال: إنه كان ضعيفًا وأنا قوى، وفقيرًا وأنا غنيّ، فكنت لا أمنعه شيئًا من مالي، واليوم أنا ضعيف وهو قوي، وأنا فقير وهو غنيّ، ويبخل عليّ بماله، فبكى رسول الله ﷺ وقال: ما من حجر ولا مدر يسمع هذا إلا بكى، ثم قال للولد: أنت ومالك لأبيك، أنت ومالك لأبيك. وشكا إليه آخر سوء خلق أمّه فقال: لم تكن سيئة الخلق حين حملتك تسعة أشهر؟ قال: إنها سيئة الخلق. قال: لم تكن كذلك حين أرضعتك حولين؟ قال إنها سيئة الخلق. قال: لم تكن كذلك حين أسهرت لك ليلها وأظمأت نهارها؟
قال: لقد جازيتها. قال: ما فعلت؟ قال: حججت بها على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ورُوي: يفعل البارُّ)، إن رُوي بضم اللام يكون خبراً في معنى الطلب، كقوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ) [البقرة: ٢٣٣]، وإن رُوي بكسرها، يكون من قبيل: محمد تفد نفسك كل نفس، أي: لتفد.
قوله: (أنت ومالك لأبيك)، روى أبو داود، عن ابن عمرو بن العاص، أن رسول الله ﷺ أتاه رجلٌ فقال: يا رسول الله، إن لي مالاً وولداً، وإن والدي يجتاح مالي، قال: "أنت ومالك لأبيك". النهاية: يجتاح مالي، أي: يستأصله، ويأتي عليه أخذاً وإنفاقاً، والاجتياح من الجائحة، وهي الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها.


الصفحة التالية
Icon