..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ...
(أُغْشِيَتْ) من قبل أن (مِنْ اللَّيْلِ): صفة لقوله: (قِطَعاً)، فكان إفضاؤه إلى الموصوف كإفضائه إلى الصفة.
وحققه شيخي المغفور [له] أمين الدين الشرفشاهي بأن قال: إن نسبة (أُغْشِيَتْ) إلى (قِطَعاً) إنما هي باعتبار ذاتها المبهمة المفسرة بالليل، لا باعتبار مفهوم القطع في نفسها، وإنما ذُكرت لبيان مقدار ما أغشيت به، وهو الليل، كما إذا قيل: اشتريت أرطالاً من الزيت، فإن المشترى الزيت، والأرطال مبينة لمقدار ما اشترى، وهاهنا المفضل عليه ممن (خَلَقْنَا) و (كَثِيرٍ) مبينٌ لمقدار كميته، وعليه قولك: رأيت أسداً منك، على التجريد، فإن المرئي المخاطب، والأسد: لبيان كيفية حال المرئي من الجرأة والشجاعة، ولا شك أن (مِمَّنْ خَلَقْنَا) متناولٌ لمن يعقلُ من المخلوقات، وهو منحصر في الملائكة والثقلين، وخرج منه بنو آدم؛ لأن الشيء لا يُفضل على نفسه، فيبقى الملائكة والجن.
فظهر أن فائدة استجلاب الوصف ليس إلا لبيان كمية المفضل عليه الذي يقتضيه مقام المدح للمفضل، فلا يحمل على المفهوم، نحو: "في سائمة الغنم زكاة"، إذ لا فائدة فيه للوصف سوى التخصيص.
وأما كونُ المقام مقام مدحٍ فإن الآية أُخرجت مخرج القسيمة، وكرر فيها ما يُنبئ عن غاية المدح من ذكر الكرامة والتفضيل وتسخير الأشياء على سبيل الترقي، كأنه قيل: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) برامة أبيهم، ثم سخرنا لهم الأشياء (وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ)، ثم فضلناهم تفضيلاً أي تفضيل، ولهذا عقب بها قوله: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا)، وهو لبيان كرامة أبيهم، بجعل سُجود الملائكة المقربين بعد ذكرهم فيه (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا) [البقرة: ٣٠] ن ومن ثم طُرد اللعين حيثُ قاس الفضل بالعقل وامتنع عن السجود


الصفحة التالية
Icon