وفوزهم، (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) ولم يجعل له شيئا من العوج قط، والعوج في المعاني كالعوج في الأعيان، والمراد نفى الاختلاف والتناقض عن معانيه، وخروج شيء منه من الحكمة والإصابة فيه. فإن قلت: بم انتصب (قَيِّماً)؟ قلت: الأحسن أن ينتصب بمضمر ولا يجعل حالا من الكتاب؛ لأنّ قوله (وَلَمْ يَجْعَلْ) معطوف على (أنزل)، فهو داخل في حيز الصلة، فجاعله حالا من الكتاب فاصل بين الحال وذي الحال ببعض الصلة، وتقديره: ولم يجعل له عوجا جعله قيما؛ لأنه إذا نفى عنه العوج فقد أثبت له الاستقامة. فإن قلت: ما فائدة الجمع بين نفى العوج وإثبات الاستقامة، وفي أحدهما غنى عن الآخر؟ قلت: فائدته التأكيد، فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ولا يخلو من أدنى عوج....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والعوجُ في المعاني)، الراغب: العوجُ: العطفُ عن حال الانتصاب، يقال: عُجتُ البعير بزمامه، وفلانٌ ما يعوجُ عن شيء يهم به، أي: لايرجعُ، والعوجُ: يقالُ فيما يدركُ بالبصر، كالخشب المنتصب، والعوج: فيما يدركُ بالبصيرة والفكر، كما يكون في أرض بسيطة، وكالدين والمعاش.
قوله: (وخروج شيء منه من الحكمة والإصابة فيه)، الضمير المجرور في "فيه" عائدٌ إلى الشيء، المعنى: لا تجدُ شيئاً في القرآن المجيد، ولا كلمة إن أمعنت النظر فيه خارجاً عن إصابة مجز البلاغتين، من حيث اللفظ، ومتجاوزاً عن الاشتمال على الحكمتين، أعني: العلمية والعملية من حيث المعنى.
قوله: (ولا يُجعل حالاً من الكتاب)، لئلا يلزم الفصلُ بين الحال وذي الحال بأجنبي، وهو (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا)، وهو معطوفٌ على الصلة، قال أبو البقاء: ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في (له)، ويجوز أن تكون الواو في: (وَلَمْ يَجْعَلْ) للحال؛ فيكونان حالين، أي: أنزله منفياً عنه العوج قيماً.