على: نضرب القوانس، فقد أبعدت المتناول وهو قريب، حيث أبيت أن يكون (أحصى) فعلا، ثم رجعت مضطرا إلى تقديره وإضماره. فإن قلت: كيف جعل الله تعالى العلم بإحصائهم المدّة غرضا في الضرب على آذانهم؟ قلت: الله عز وجل لم يزل عالما بذلك، وإنما أراد ما تعلق به العلم من ظهور الأمر لهم؛ ليزدادوا إيمانا واعتبارا، ويكون لطفا لمؤمني زمانهم، وآية بينة لكفاره.
[(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً* وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً* هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأتُونَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أكر وأحمى للحقيقة منهم | وأضرب منا بالسيوف القوانسا |
قوله: (فقد أبعدت المتناول)، وهو انه منصوب بـ (أَحْصَى)؛ لأنك أثبت أولاً أنه منصوبٌ به، ثم يقدره بعد ارتكاب هذه التكاليف.
قوله: (وإنما أراد ما تعلق به العلمُ من ظهور الأمر لهم)، يعني: ضربنا على آذانهم ليظهر معلومُ العلم، وهو أيهم أحصى أمد لُبثهم، فالتعليلُ ليس لحصول العلم، بل لظهور المعلوم، يعني: كان هذا الأمر العجيب معلوماً لله تعالى في الأزل، فتعلقت إرادته بإظهاره للمكلفين ليتعجبوا منه ويعتبروا به، فيكون مزيداً لإيمانهم ولُطفاً لمؤمني زمانهم، بأن يستنوا بسنتهم، ودليلاً ظاهراً على وجود الصانع لكافريهم، فيستدلوا به ثم يؤمنوا.