نفسه لسخط الله، وهو أفحش الظلم. إخباره عن نفسه بالشك في بيدودة جنته: لطول أمله واستيلاء الحرص عليه وتمادى غفلته واغتراره بالمهلة وإطراحه النظر في عواقب أمثاله. وترى أكثر الأغنياء من المسلمين وإن لم يطلقوا بنحو هذا ألسنتهم، فإن ألسنة أحوالهم ناطقة به منادية عليه، (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي) إقسام منه على أنه إن ردّ إلى ربه على سبيل الفرض والتقدير وكما يزعم صاحبه، ليجدنّ في الآخرة خيرا من جنته في الدنيا، تطمعا وتمنيا على الله، وادّعاء لكرامته عليه ومكانته عنده، وأنه ما أولاه الجنتين إلا لاستحقاقه واستئهاله، وأنّ معه هذا الاستحقاق أينما توجه، كقوله: (إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) [فصلت: ٥٠]، (لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً) [مريم: ٧٧]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النعمة، فكأن نفسه منقوصة، أو لأن الكفران مؤد إلى الهلاك، كقوله: (لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: ٧].
وقلتُ: مرادُ المصنف أن معنى قوله تعالى: (ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) محمولٌ على معنى الظلم، وهو وضع الشيء في غير موضعه، كان من موجب دخول جنته ونظره أرضاً جامعةً للأقوات والفواكه مع الشكل الحسن والترتيب الأنيق، كما وصفه الله تعالى: أن يتواضع لله ويشكره على ذلك بما يستطيع من بذل الجهد واستفراغ الطوق، فوضع مكان الشكر والتواضع الإعجاب والافتخار والكفران، فعرض بذلك نفسه لسخط الله وغاية الهوان والنكال، كقوله تعالى: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) [الواقعة: ٨٢]، أي: تجعلون شُكر رزقكم التكذيب، أي: وضعتم التكذيب موضع الشكر.
قوله: (في بيدودة جنته). الجوهري: باد الشيء يبيد بيداً وبيوداً: هلك.
قوله: ((وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي): إقسام منه)، أي: اللام موطئة للقسم.
قوله: ((لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً) [مريم: ٧٧]): يريدُ أن هذا القول يشبه قول العاص بن وائل حين تقاضاه خبابٌ مالاً له عليه، فقال له: لا، تحى تكفر بمحمد. قال: لا والله، لا