الكفرة وينتقم لهم، ويشفى صدورهم من أعدائهم، يعنى: أنه نصر فيما فعل بالكافر أخاه المؤمن، وصدّق قوله (فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ) [الكهف: ٤٠]، ويعضده قوله (خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً) أي: لأوليائه. وقيل (هُنالِكَ) إشارة إلى الآخرة أي في تلك الدار الولاية لله، كقوله (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) [غافر: ١٦]، وقرئ (الحق) بالرفع والجرّ صفة للولاية والله. وقرأ عمرو بن عبيد بالنصب على التأكيد، كقولك: هذا عبد الله الحق لا الباطل، وهي قراءة حسنة فصيحة، وكان عمرو بن عبيد من أفصح الناس وأنصحهم،.....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقهوراً، وشفى صدره. والتشفي من أعداء الذين خيرٌ من الخيرات، وموهبة من المواهب، فيكون موقع (هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ) مما سبق، موقع قوله: (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) من قوله: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) فهما كالتذييلين؛ لأن معناهما يلتقيان في التشفي عن أعداء الدين، ولذلك قال هناك: "هو إيذان بوجوب الجهر عند إهلاك الظلمة، وأنه من أجل النعم وأجزل القسم"، وقال هنا: " (هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ) ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة، وينتقم لهم، ويشفي صدورهم". [قوله]: (وقرئ: (الْحَقَّ) بالرفع والجر) أبو عمرو والكسائي: بالرفع، والباقون: بالجر.
قوله: (وكان عمرو بن عبيد من أفصح الناس وأنصحهم). الانتصاف: وقد تقدم الإنكار عليه أن القراءة موولة إلى رأي الفصحاء، ولا يجوز لأحدٍ أن يقرأ إلا بما سمعهن ورُوي مفصلاً عن النبي مخبراً عن غنزاله من السماء، فلا وجه لفصاحة الفصيح، ولكن الزمخشري لا يفوت الثناء على راس البدعة ومعدن الفتنة عمرو بن عبيد، فإنه من كبار المعتزلة.
ذكر الإمام مسلم بن الحجاج في "صحيحه" أن سليمان بن أبي مطيع كان يقول: بلغ أيوب أني آتي عمرو بن عبيد، فأقبل عليَّ فقال: أرأيت رجلاً لا تأمنه على دينه،


الصفحة التالية
Icon