والمعنى لقد بعثناكم كما أنشأناكم (أوَّلَ مَرَّةٍ) وقيل جئتمونا عراة لا شيء معكم كما خلقناكم أوّلا، كقوله (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) [الأنعام: ٩٤]. فإن قلت لم جيء بحشرناهم ماضيا بعد نسير وترى؟ قلت: للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير وقبل البروز، ليعاينوا تلك الأهوال العظائم، كأنه قيل: وحشرناهم قبل ذلك (موْعِداً)
وقتا لإنجاز ما وعدتم على ألسنة الأنبياء من البعث والنشور.
[(وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والمعنى: لقد بعثناكم، كما أنشأناكم): تفسيرٌ لقوله: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ).
قوله: (للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير)، قال صاحب "الفرائد": الواو للحال في (وَحَشَرْنَاهُمْ)، فلو كان للعطف، كان ينبغي أن يُقال: ونحشرهم.
قلتُ: إن المصنف سأل عن فائدة الاختلاف الواقع بين هذه الأفعال الثلاثة، والجواب ما ذكره، يعني: خولف بين التسيير والرؤية، حيث جيء بهما مضارعين، وجيء بالحشر ماضياً، ليشعر بصيغة المضارع بأن المراد استحضار تلك الصورة العجيبة الشأن في مشاهدة السامع، ليتعجب لها، وإليه الإشارة بقوله: "ليعاينوا تلك الأهوال"، ولو قيل: نحشرهم على مقتضى الظاهر، لفات المقصود. ونظر أصحاب المعاني إلى فائدة العدول عن مقتضى الظاهر.
وقال القاضي: ومجيئه ماضياً بعد (نُسَيِّرُ) و (تَرَى) لتحقيق الحشر، أو للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير.


الصفحة التالية
Icon