[(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً* ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)].
(كانَ مِنَ الْجِنِّ) كلام مستأنف جار مجرى التقليل بعد استثناء إبليس من الساجدين، كأن قائلا قال: ما له لم يسجد؟ فقيل: كان من الجن (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) والفاء للتسبيب أيضا، جعل كونه من الجن سببا في فسقه، لأنه لو كان ملكا كسائر من سجد لآدم لم يفسق عن أمر الله، لأنّ الملائكة معصومون البتة لا يجوز عليهم ما يجوز على الجن والإنس، كما قال: (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء: ٢٧]، وهذا الكلام المعترض تعمد من الله تعالى لصيانة الملائكة عن وقوع شبهة في عصمتهم. فما أبعد البون بين ما تعمده الله، وبين قول من ضادّه وزعم أنه كان ملكا ورئيسا على الملائكة، فعصى، فلعن ومسخ شيطانا، ثم ورّكه على ابن عباس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتسويل الشيطان، زهدهم أولاً في زخارف الدنيا بأنها عرضةٌ للزوال، والأعمال الصالحة خيرٌ وأبقى، ثم نفرهم عن الشيطان بتذكير ما بينهم من العداوة القديمة، وهكذا مذهب كل تكرير في القرآن.
قوله: (ثم وركه على ابن عباس)، الأساس: عن الحسن: من أنكر القدر فقد فجر، ومن ورك ذنبهُ على الله فقد كفر.
قال في "الانتصاف": الحق معه إلا في قوله: "وهذا الكلام المعترض تعمدٌ من الله"، فإنه يطلقُ من يفعلُ فعلاً حيناً خطأ، فلا يليقُ إطلاقه على الله تعالى.