قلت: لأن المترقب في إخبار الله عز وجل بمنزلة الماضي المقطوع به في تحققه، فكأنه قيل: ربما ودّ. فإن قلت: متى تكون ودادتهم؟ قلت: عند الموت، أو يوم القيامة إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين. وقيل: إذا رأوا المسلمين يخرجون من النار، وهذا أيضاً باب من الودادة. فإن قلت: فما معنى التقليل؟ قلت: هو وارد على مذهب العرب في قولهم: لعلك ستندم على فعلك، وربما ندم الإنسان على ما فعل، ولا يشكون في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقيل: إذا رأوا المسلمين يخرجون من النار، وهذا أيضاً باب من الودادة). يعني: تأول هذه الآية بهذا المعنى من الودادة الباطلة، وتفسيرٌ لها بما يُهوى ويُحب، قال الإمام: هذا قول أكثر المفسرين، كابن عباس، ومجاهد. والعجب من هذا الرجل كيف يجترئ على هذا الكلام؟
وقلتُ: بل فسرها من هبط إليه التنزيل على ما روينا عن الترمذي، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في تفسير هذه الآية، قال: "إذا أُخرج أهلُ التوحيد من النار وأدخلوا الجنة، ود الذين كفروا لو كانوا مسلمين"، وعليه معنى التمني؛ وإنما يحسن موقعه إذا رأى الكافرون حسن عاقبة المسلمين، وشاهدوا سوء مغبة الكافرين، وأيقنوا اليأس التام، والإقناط الكلي، كما يقول الكافر: (يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا) [النبأ: ٤٠] قال المصنف: "يُحشر الحيوان غير المكلف، حتى يُقتص للجماء من القرناء ثم تُرد تراباً، فيود الكافر حاله". وقال الراغب: ومن المودة التي تقتضي معنى التمني قوله تعالى: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا).