في التقدير لو لم تخلق الإبل إلا بجهد أنفسكم، لا أنهم لم يكونوا بالغيه في الحقيقة. فإن قلت: كيف طابق قوله: (لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ) قوله: (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ)؟ وهلا قيل: لم تكونوا حامليها إليه؟ قلت: طباقه من حيث أن معناه:
وتحمل أثقالكم إلى بلد بعيد قد علمتم أنكم لا تبلغونه بأنفسكم إلا بجهد ومشقة، فضلا أن تحملوا على ظهوركم أثقالكم. ويجوز أن يكون المعنى: لم تكونوا بالغيه بها إلا بشق الأنفس. وقيل: (أثقالكم) أجرامكم. وعن عكرمة: البلد مكة (لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) حيث رحمكم بخلق هذه الحوامل وتيسير هذه المصالح.
[(وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ)].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لم تكونوا بالغيه بها)، أي: بالأثقال، والباء فيه، ظرف لغوٍ للتعدية، وفي بشق الأنفس مستقر، قال أبو البقاء: (بِشِقِّ): في موضع الحال من الضمير المرفوع في (بَالِغِيهِ)، أي: مشقوقاً عليكم، وأما توجيه السؤال: كيف ناسب قوله: (لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ) قوله: (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ)؛ لأن المناسب أن يقال: لم تكونوا حامليه، لأن الحمل شيء، والبلوغ شيء آخر؟ وأجاب: أن المناسبة بحسب المعنى، وهو على وجوه ثلاثة، أحدها: أن تجعل التنكير في (بَلَدٍ) للتفخيم والتكثير، أي: بلدٍ بعيدٍ شاسع، ليناسبه البلوغ، ويلزم منه الحديث في نفي الحمل بالطريق الأولى، كما قال: فضلاً أن تحملوا على ظهوركم. وثانيها: أن يُقدر في (بَالِغِيهِ) ما يعود إلى الأثقال. وثالثها: أن يُحمل الأثقال على الأجرام.
قال في "الانتصاف": ويمكن أن يقال: إنه استغنى بذكر البلوغ عن ذكر حملها؛ لأن ذلك معلوم من العادة؛ لأن المسافر لا يستغني عن أثقال يستصحبها، والأول أولى.