(ومنكم جائر)، يعنى: ومنكم جائر جار عن القصد بسوء اختياره، والله بريء منه (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) قسراً وإلجاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنها جائرٌ كطريق سائر الأمم الضالة ليتجنبوا منها، فاختصر على تقدير اللف والنشر التقديري، وإضافة طريق الحق دون الجائر إلى الله تعالى على أسلوب قوله تعالى: (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) [الفاتحة: ٧].
وقوله: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء: ٨٠] ويعضد ما ذكرنا من أن على الله تمييز الطريقين وبيان السبيلين تفضلاً قول محيي السنة: (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) يعني: بيان طريق الهدى من الضلالة، فالقصد من السبيل: دين الإسلام، والجائر منها: اليهودية والنصرانية وسائر ملل الكفر.
قال في "الانتصاف": أين يذهب الزمخشري عن تتمتها: (وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)؟ لو كان بزعم القدرية لقال: فقد هديناكم أجمعين، (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)، ففسروها بالقسر والإلجاء وحرفوا الكلم عن مواضعه، وأما المخالفة بين الأسلوبين، فلإقامة حجة الله على الخلق، وأنه بين السبيل القاصد والجائر، وهدى قوماً اختاروا الهدى، وأضل قوماً اختاروا الضلال، وقد عُلم أن للفعل اعتبارين، فإضافته على الله تعالى باعتبار خلقه له، وإضافته إلى العبد باعتبار اختياره له.
قوله: (جائر جار عن القصد)، الراغب: الجار: من يقرب مسكنه منك، وهو من الأسماء المتضايقة، ولما استعظم حق الجار شرعاً وعقلاً عُبر عن كل من يعظم حقه أو يستعظم حق غيره بالجار. قال تعالى: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى) [النساء: ٣٦] ويقال: استجرت فلاناً فأجارني، وقال: (وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ) [الأنفال: ٤٨]، وقال: (وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ


الصفحة التالية
Icon