٣ - أنه يصد عن تعظيم الله سبحانه وتعالى؛ لأن النفس إما أن تنشغل بالباطل أو بالحق، فإذا انشغلت بالغلو بهذا المخلوق وإطرائه وتعظيمه تعلقت به ونسيت ما يجب لله تعالى من حقوق.
٤ - أن المغلو فيه إن كان موجوداً؛ فإنه قد يزهو بنفسه ويتعاظم ويعجب بها، وهذه مفسدة تفسد المغلو فيه إن كانت مدحاً، وتوجب العداوة والبغضاء وقيام الحروب والبلاء بين هذا وهذا إن كانت قدحاً (١).
وقد حصل مثل هذا الغلو بين كثير من الطوائف النصرانية في العصور الوسطى (٢).
وهذه المفاسد كلها وأكثر منها قد وقع فيها أهل الكتاب قديماً؛ فالنصارى أنزلوا المسيح ابن مريم وأمه عليهما السلام فوق منزلتهما، وغالوا فيهما حتى عبدوهما واتخذوهما آلهين مع الله تعالى، وكذلك فعل اليهود في عزير - عليه السلام -، ثم غالوا في اتباع أحبارهم ورهبانهم فاتخذوهم أرباباً من دون الله، هذا في الغلو من جهة المدح.
أما من جهة الذم فإنهم قتلوا أنبياء الله وأهانوهم وصلبوهم، وكذبوا برسالاتهم وكتبهم، وكفروا بهم واستهزؤوا بهم كما هو ثابت في القرآن العظيم.
وقد نبه العلماء رحمهم الله على ذلك قديماً؛ قال الزمخشري رحمه الله: في تفسير قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَن سَوَاء السَّبِيلِ﴾ (٣).
قال الزمخشري: "الغلو في الدين غلوان: غلو حق: وهو أن يفحص عن حقائقه، ويفتش عن أباعد معانيه، ويجتهد في تحصيل حججه، كما يفعل المتكلمون من أهل العدل والتوحيد رضوان الله عليهم.
_________
(١) انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد (ص: ٣٦٥)، المؤلف: العلامة محمد بن صالح العثيمين، الناشر: دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الثانية، محرم ١٤٢٤ هـ.
(٢) وقد زاد غلوهم في العصور الأوربية الوسطى بادعائهم الحق الإلهي في الحكم وملكيتهم لصكوك الغفران ومعاداة العلم والعلماء، مما ترتب عليه ظهور حركات التمرد، وإحياء المذاهب المادية القديمة، وإعلاء سلطة العقل. انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة (٢/ ١١٠١) مرجع سابق.
(٣) سورة المائدة الآية: (٧٧).