المطلب الأول: مشروعية جدال أهل الكتاب ومناظرتهم:
إن من سنن الله في عباده حينما يضلون عن طريق الهدى بنسيانهم شريعة ربهم، وقسوة قلوبهم بسبب طول الأمد عليهم، أن يعاقبهم بإتباع الأهواء، أو ما يمليه عليهم أحبارهم ورهبانهم مما لم يشرعه الله لعباده كما حصل لأهل الكتاب قديماً، فيرسل الله رسله بالهدى وبدين الحق؛ لإخراجهم من الظلمات إلى النور، قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (١).
إن هذه الأيام قد أصبحت الأمة تعج بكثير من الفتن والدعوات والأفكار التي أضعفت الأمة الإسلامية بسبب بعدها عن شرع ربها وهدي خالقها، وقد أصبح العالم بأسره كقرية صغيرة من خلال مشاهدة وسائل الإعلام الحديثة، وأصبح الغرب يهتم بالحوار اهتماماً كبيراً؟ ومما ينبغي على محبي الرسل ومعظميهم من المسلمين أن يقوموا بدعوة أهل الكتاب إلى الإسلام وإلى دين الله الحق الذي ارتضاه لعباده بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يجادلوهم بالتي هي أحسن حتى تقام عليهم الحجة، وأن يجادلوهم بكل ما يمتلكون من وسائل تتناسب مع هذا العصر للدعوة للحق، وحتى لا يقولوا: ما جاءنا من بشير ولا نذير، وهذا الواجب ليس واجباً مؤقتاً طرأ على المسلمين كونهم ضعفاء في عصرنا الحديث، بل هو من صميم الدين، وقد كانت هذه الدعوة لحوارهم ومناظرتهم قديماً والإسلام حينها في أعز قوة وتمكين وثبات، فمن باب أولى أن ندعوهم في عصرنا الحديث.
وقبل أن نبدأ ببيان مشروعية الجدال والمناظرة لأهل الكتاب، وأقوال المفسرين في ذلك نقوم بتعريف الجدال لغةً وشرعاً:
_________
(١) سورة المائدة الآية: (١٥ - ١٦).