وقال ابن القيم (١) رحمه الله: "ومنها أن السنة في مجادلة أهل الباطل إذا قامت عليهم حجة الله، ولم يرجعوا بل أصروا على العناد أن يدعوهم إلى المباهلة، وقد أمر الله بذلك رسوله ولم يقل إنَّ ذلك ليس لأمتك من بعدك، ودعا إليها ابن عمه عبد الله بن عباس من أنكر عليه بعض مسائل الفروع، ولم ينكر عليه الصحابة، ودعا إليها الأوزاعي سفيان الثوري (٢) في مسألة رفع اليدين، ولم ينكر عليه ذلك، وهذا من تمام الحجة" (٣).
فتبين مما سبق أن الآية نزلت في نصارى نجران لكن: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) فيدل على أنه - ﷺ - دعا كل من حاجَّه في عيسى - عليه السلام - للمباهلة، سواء كانوا نصارى نجران من أهل الكتاب أو غيرهم بنص القرآن، قال تعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ (٤) فهي جائزة من رسول الله - ﷺ -، ولأمته فعلها من بعده أسوةً به - ﷺ -، لكل من عاند بعد ظهور الحجة، ومن منع ذلك فعليه الدليل.
وذكر ابن تيمية أيضاً فوائد في حديث وفد نجران قال: " فلما ذكر النبي - ﷺ - ذلك للنصارى إستشوروا بينهم فقالوا: تعلمون أنه نبى، وأنه ما باهل أحد نبياً فأفلح، فأدوا إليه الجزية، ودخلوا فى الذمة، واستعفوا من المباهلة" (٥).
قال السيد محمد صديق خان: "والمباهلة جائزة بعد النبي - ﷺ - في أمر مهم شرعاً وقع فيه اشتباه، وعناد لا يتيسر دفعه إلا بها، وقد باهل بعض السلف: كالحافظ ابن القَّيم في مسألة
_________
(١) ابن القيم هو: شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الحنبلي المعروف بابن قيم الجوزية، ولد سنة (٦٩١ هـ)، وتوفي سنة (٧٥١ هـ)، له عدة مؤلفات من أشهرها: زاد المعاد، وإعلام الموقعين عن رب العالمين. انظر: المقصد الأرشد (٢/ ٣٨٥) مرجع سابق.
(٢) سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي. ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة، وكان ربما دلس، مات سنة (١٦١ هـ) وله أربع وستون. انظر: تهذيب التهذيب (٤/ ٩٩) مرجع سابق، وتقريب التهذيب (٢٤٤٥) مرجع سابق.
(٣) انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد، (٣/ ٦٤٣) المؤلف: محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، الناشر: مؤسسة الرسالة مكتبة المنار الإسلامية بيروت الكويت ١٤٠٧ - ١٩٨٦، الطبعة: الرابعة عشر، تحقيق: شعيب الأرناؤوط عبد القادر الأرناؤوط.
(٤) سورة آل عمران الآية: (٦١).
(٥) انظر: كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، (٢٨/ ٦١٩) المؤلف: أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس، الناشر: مكتبة ابن تيمية، الطبعة: الثانية، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي.